الحكومة الإيطالية... أفضل نموذج لتحمّل المسؤوليات في زمن الوباء!
اختارت إيطاليا والسويد استراتيجيات مختلفة جداً للتعامل مع فيروس "كوفيد19"، لكن تصرّف البَلدان بأعلى درجات المسؤولية والشفافية، فإذا كنا نبحث عن بلد غير متوقع ليكون نموذجاً عن البراعة الجماعية، فلن نجده إلا في إيطاليا.غالباً ما تُعتبر إيطاليا مكاناً جميلاً حيث تخضع الكنوز الطبيعية والثقافية لسيطرة سكان فوضويين وفاسدين وجامحين، ومع ذلك، يتلقى الإيطاليون في هذه الأيام المدح من كل مكان: تعتبر صحف "نيويورك تايمز" و"فاينانشال تايمز" و"وول ستريت جورنال" طريقة خروج الإيطاليين من عمق المأساة التي أصابتهم في الربيع الماضي نموذجاً يُحتذى به، فقد اجتاح فيروس كورونا البلد حينها واضطرت قوافل من الشاحنات العسكرية لنقل التوابيت بأعدادها الضخمة يومياً!لكن كيف يجب أن يتعامل الإيطاليون مع هذه الإشادة كلها؟ هل يُعتبر هذا الموقف العالمي المفاجئ من السلوك الإيطالي الجماعي صادقاً أم ساخراً؟ يدرك سكان إيطاليا رغم فخرهم بوطنهم أن الحل النهائي للمشاكل القائمة لا يزال بعيداً.
الوضع اليوم أفضل مما كان عليه في مارس الماضي طبعاً، مما يعني أن الإيطاليين اتخذوا خطوات صائبة، لكن بدأت أعداد الإصابات ترتفع مجدداً، وسيكون ادعاء الانتصار على "كوفيد19" رغم غياب لقاح فاعل واقتراب الشتاء في المساحات المغلقة موقفاً متغطرساً، ولا يزال الوباء منتشراً على نطاق واسع أصلاً. اتخذت الحكومتان في إيطاليا والسويد استراتيجيتَين صائبتيَن مع أنهما متعارضتان، لكنهما تحمّلتا معاً كامل مسؤولية سياسة الصحة العامة لمواجهة الوباء، فالتزمت الحكومتان في البلدين بتوصيات الخبراء بدقة، وبناءً على تلك التوصيات، اختار كل طرف الاستراتيجية التي يعتبرها الأكثر تماشياً مع توجهات الرأي العام وثقافة البلد وتاريخه السياسي والاجتماعي.فطُلِب من الإيطاليين مثلاً أن يلازموا منازلهم، ولم تكن هذه الخطوة مجرّد نصيحة بل قانون بحد ذاته، وكل من يخالف القواعد المعتمدة يدفع غرامة أو يُحاكَم أحياناً، واتخذت السويد مساراً معاكساً من حيث اختيار استراتيجية التصدي للوباء لكنها استعملت العقلية نفسها بعيداً عن تدابير الإقفال التام، واتكلت الحكومة في الحالتين على توصيات الخبراء لاتخاذ قراراتها أمام الرأي العام بطريقة متماسكة ومسؤولة. والاختلاف الحقيقي كان قائما بين الحكومات التي تتحمل كامل مسؤولية أفعالها وتلك التي تترك مواطنيها في حالة من الارتباك والشك ويرأسها قادة غير خاضعين للمحاسبة، لا نتكلم في هذا الصدد عن البلدان الاستبدادية، بل مجموعة من الأنظمة الديمقراطية الغربية التي قدمت لمواطنيها تعليمات مُربِكة أو حتى متناقضة.نحن نعيش في عالمٍ يرفض رئيس أكبر قوة عسكرية وأهم ديمقراطية طمأنة مواطنيه حول استعداده للاعتراف بالهزيمة سلمياً إذا لم تصبّ الانتخابات المقبلة في مصلحته، وفي هذا السياق لا بد من النظر إلى الحكومات التي تتحمل مسؤولية قراراتها الشائبة في ملف الوباء من منظور جديد كونها تطرح تعليمات متماسكة من دون أن تتهرب من الانتقادات المحتملة. لم يعد عاملا المحاسبة والشفافية يشكلان إطار الديمقراطية الخارجي الذي يشمل تفاصيل أهم السياسات، بل إنهما يعكسان بكل وضوح نسيج الديمقراطية اليوم.* «فرانشيسكا ميلاندري»