مثلث الأقوياء ترسمه خطوط الغاز
خريطة الطاقة رمت بثقلها على العلاقات بين الدول لا سيما صاحبة الحقول المشتركة، والخلافات المصاحبة لها، سواء في كيفية الاستثمار والتنقيب أو في كيفية بيع العائد الناتج عنها، وفي هذا الإطار يبدو أن "طبخة الغاز" التي وضعت على السكة بين لبنان وإسرائيل تدور بعد عملية الترسيم التي ستبدأ هذا الأسبوع.
ملف الغاز وضع على الطاولة وبات محور الصراعات والخلافات في منطقتي البحر المتوسط والخليج العربي، فقد دخل لبنان بالأمس خط المفاوضات مع إسرائيل بخصوص البلوك (9) بعدما تحول إلى بؤرة نزاع في إطار ترسيم الحدود البحرية بينهما وبهدف استغلال هذه الثروة الواعدة لدولة معدمة من حيث موارد الطاقة.في الدائرة الأكبر، وتحت سقف "مثلث الموت" الذي تتحكم فيه ثلاث دول إقليمية كبرى بصناعة وإنتاج وتسويق الغاز يبرز الصراع على هذه الثروة الكامنة تحت الأرض بكل تجلياته، واللاعبون الكبار في هذا الملف هم إسرائيل وتركيا وإيران، يرسمون حدود مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية، بعدما دخلوا في مواجهات حامية، مع الأطراف المتشاركة في الحقول وبخطوط الأنابيب والعوائد المالية الناتجة عن بيعه في الأسواق الدولية. خطوط النفط والغاز رفعت درجة الاستنفار عند الدول ذات الثقل في هذا المثلث، فالصراع اليوم على الطاقة كمورد حيوي ورئيسي يجعله يحتل الأولوية في استراتيجيات تلك الدول، وبحسب تقديرات الخبراء فالموارد النفطية والغازية شرق البحر المتوسط تقدر بنحو 1.7 مليار برميل من النفط و122 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
تلك الموارد تسيل اللعاب عند المنتجين وأصحاب المصلحة فيها، فتركيا تخوض مواجهات وصلت إلى حد اللجوء إلى القوة العسكرية مع اليونان، كذلك دخولها طرفاً في النزاع على الأراضي الليبية والذي يخفي وراءه الاستئثار بحصة من الغاز والنفط في دولة تملك احتياطيات هائلة، هذا بخلاف التحالفات التي أبرمتها مع الروس وعدد من بلدان القوقاز على خلفية مد خطوط أنابيب الغاز، نظراً للموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تمتلكه كدولة موصلة إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، تتصل بالبحرين الأسود والمتوسط. في الجانب الآخر وعلى الضفاف الشرقية للمتوسط نشأ تحالف "مصري– يوناني– قبرصي" تقاسمت فيه هذه الدول الأدوار والمنافع وفق قواعد القانون الدولي للبحار وبتجمع سياسي في مواجهة تركيا، الخصم المشترك، عزز هذا الحلف مبادرة قبرص بترسيم حدودها البحرية مع لبنان عام 2017، وسبق ذلك إبرام اليونان وإيطاليا وقبرص وإسرائيل اتفاقاً يقضي ببناء خط غاز تحت المياه من الحقول المنتجة شرق المتوسط إلى أوروبا. وسط هذا المشهد "الجيوسياسي" والقائم على تقاسم الثروة الغازية بين تلك الدول كانت إسرائيل اللاعب الأقوى بعدما قطعت أشواطاً ملحوظة في عمليات التنقيب وتصديره وبناء مصاف عملاقة ستحولها إلى دولة مصدرة لها اعتبار وحصة في السوق العالمي. تشابكت خطوط النفط والغاز مع الخطوط السياسية وبناء تحالفات جديدة على وقع هذا المورد المهم في عالم الطاقة، فظهر في الأفق خط خليجي– إسرائيلي تحت عنوان تسويق مصالح اقتصادية مشتركة من ضمنها النفط والغاز، يقابله خط مصري– أردني– عراقي، برزت معالمه بعد اجتماع القمة في مدينة عمان قبل شهرين تقريباً، في حين بلغ الخط التركي– القطري مداه وعلى مستويات عدة أهمها التحالف العسكري والاقتصادي وعلى رأسه الغاز والنفط نظراً لما تمثله قطر من وزن عالمي في مجال إنتاج الغاز وبيعه. خريطة الطاقة رمت بثقلها على العلاقات بين الدول لا سيما صاحبة الحقول المشتركة، والخلافات المصاحبة لها، سواء في كيفية الاستثمار والتنقيب أو في كيفية بيع العائد الناتج عنها، وفي هذا الإطار يبدو أن "طبخة الغاز" التي وضعت على السكة بين لبنان وإسرائيل تدور بعد عملية الترسيم التي ستبدأ هذا الأسبوع، والحديث يدور عن اشتراك فرنسا وأميركا بالمنافع، بعدما تؤول عمليات التنقيب في "البلوك 9" إلى شركة "توتال" ومن ثم التفاهم على إنشاء شركة قابضة تبيع المنتج، على أن يتم ضخه عبر أنابيب يجري بناؤها، ويوزع العائد على الطرفين الإسرائيلي واللبناني عبر شركة قابضة تكون فيها أميركا المساهم الأكبر. وموضوع المكامن المشتركة في حقول النفط والغاز تتشابك فيه إيران مع جيرانها منذ أمد طويل، استغلتها طهران لفرض شروط قاسية، بل إنها تمادت بشفط كميات من النفط على حساب العراق مثلما فعلت بحقول "مجنون" المشتركة بحيث زادت إنتاجها من 70 ألفاً إلى 400 ألف برميل خلال السنوات الماضية. وإيرن تتحكم في جزء من موارد العراق، ومن جانب واحد في 12 حقلاً نفطيا مشتركا موزعة على ثلاث محافظات تحتوي على احتياطيات تصل إلى 95 مليار برميل، وفي جانب مهم من هذا الملف، وهو إبقاء الحدود غير مرسمة خصوصا ما يتعلق بتحديد هذه الحقول وكيفية تقاسم ثرواتها، لكن النزاع الإيراني على الحقول المشتركة يمتد إلى أذربيجان، بشأن الأحقية بحقول "سردار جنكل" في بحر قزوين حيث تصر إيران على تبعيتها لها. تبقى الإشارة إلى وجود 15 حقلاً نفطيا مشتركاً بين إيران ودول الخليج، أشهرها حقل "الدرة" وتتوزع بين السعودية والكويت وسلطنة عمان، علما أن الكويت والسعودية توصلتا إلى اتفاق على تطوير هذا الحقل الموازي للمنطقة بين البلدين وتقدر احتياطياته بـ20 تريليون قدم مكعب من الغاز، لكن الترسيم ما زال معلقاً مع طهران... راقبوا جيداً ما يحدث.
خطوط النفط والغاز تشابكت مع الخطوط السياسية وبناء تحالفات جديدة على وقع هذا المورد المهم في عالم الطاقة