تنامت لديّ هواية جمع العملات الورقية والمعدنية القديمة من مختلف دول العالم، وكبرت معي منذ الطفولة، ولا يزال هذا الاهتمام يشغلني إلى الوقت الحاضر، وأجد في هذه الهواية الفائدة والتسلية والثقافة، وكذلك العلاقة الطيبة مع شخصيات من مختلف شعوب العالم، الذين يمارسون الهواية نفسها، كما أجد العديد من العجائب والغرائب اللافتة للنظر عند مشاهدة أشكال هذه العملات.

والعادة - كما يعرف الجميع - أن الملوك والسلاطين والرؤساء في دول العالم يضعون صورهم على العملات الورقية والمعدنية، لكنّ هذه العملة الورقية، كما تشاهدون، عليها صورة فلاح كان يعمل مزارعاً لدى الأمير فؤاد بقصر الزعفران، قبل توليه العرش وقبل أن يصبح سلطاناً على مصر!

Ad

هذا المزارع، واسمه إدريس، كان رجلاً أميناً وعبداً صالحاً يحافظ على الصلوات؛ فوجد في يوم من الأيام عقداً ثميناً سقط من إحدى الأميرات، لكنها لم تكن تدري أين فقدته، وعندما وجده إدريس بين أشجار حديقة القصر سلّمه للأمير فؤاد، فزادت ثقة الأمير وحبه لإدريس كثيراً.

جاء إدريس إلى الأمير فؤاد يوماً، وقال له: يا سمو الأمير، لقد حلمت بأنك ستكون سلطاناً على مصر، فضحك الأمير فؤاد، وقال: "باين عليك كبرت في السن وخرّفت يا عم إدريس! ألا تعلم أن السلطان حسين كامل هو سلطان مصر الآن وبصحة جيدة وعافية، وولي عهده الشاب كمال الدين سيخلفه في الحكم؟ ومستحيل أن أصل إلى حكم مصر بهذه السهولة... لكن إذا صدق حلمك وتحققت رؤيتك فسوف أضع صورتك على الجنيه المصري".

وحدث أن مات السلطان حسين كامل فجأة عام 1917، واعتذر ابنه الأمير كمال الدين لظرف غير معروف، ويُعتقد أنه بسبب ممانعة الإنكليز، نظراً لتأييد الأمير كمال للقوى الوطنية التي تناضل ضد الإنكليز ومناصرتها، فلم يظهر على الساحة إلا الأمير فؤاد، وأصبح سلطاناً لمصر!

وفي عام 1922، بعد انقضاء عهد الخلافة العثمانية، أصبح فؤاد ملكاً لمصر، ونفّذ وعده بوضع صورة الفلاح إدريس على العملة المصرية، ومنحه لقب باشا، واستمرت هذه العُملة تعاد طباعتها لسنوات.

***

وبمناسبة الأحلام، أذكر أنني ذات مساء، وبعد وجبة عشاء دسمة، أحسست بالنعاس فغفوت ونمت، وحلمت أنني اشتريت جزيرة صغيرة في بلاد اليونان، ويقدر عدد الجزر عندهم بالآلاف، فما تأثير بيع جزيرة واحدة؟!

وبنيت في الجزيرة فندقاً سياحياً ومطاراً خاصاً وقصراً صغيراً بعيداً عن الفندق، واستكملت الخدمات الأخرى من الملاعب الرياضية والمطاعم والمقاهي... وأصبحت جزيرة الأحلام لكل سائح ينشد الراحة والهدوء!

وفجأة، وبينما كنت نائماً في جزيرتي التي امتلكها وحدي، إذا بي أصحو على جرس الإنذار، فظننت أن حريقاً التهم قصري الصغير، وإذ هو رنين جرس هاتفي النقال، وتبخّر الحلم الجميل، واكتشفت أن كل هذا المشروع الضخم بالجزيرة كان حلماً جميلاً، وكأن المدة كانت سنوات طويلة، وحين نظرت إلى الساعة في يدي، وجدت أن مدة الحلم لم تستغرق سوى عشر دقائق فقط!