الاستثمار في النفط قد يتأثر بقوة بانخفاض الأسعار
لفتت دراسة لـ«أوابك» الى انه مما لا يدع مجالا للشك أن أسعار النفط تؤثر بشكل قوي وفعّال في قيادة حجم الاستثمار في إنتاج النفط، حيث تساهم الأسعار المرتفعة في تشجيع الاستثمار، بينما تؤدي الأسعار المنخفضة إلى نزوح الاستثمارات عن هذا القطاع.
تشكّل مصادر الطاقة الأحفورية بنداَ مهماَ في العلاقات الدولية منذ انبلاج الثورة الصناعية بسبب التوزيع غير المتكافئ لتلك المصادر على مستوى العالم.فالدول ذات الاقتصادات الحديثة والمتطورة اعتمدت على الطاقة الأحفورية، وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي، بشكل متزايد لمقابلة احتياجاتها من الطاقة وبأسعار معقولة، على الرغم من نقص وفرة تلك المصادر لديها، الأمر الذي جعلها تعتمد على استيرادها من الخارج، لتلبية حاجتها من الطلب المحلي.جاء ذلك في دراسة حديثة صادرة عن الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، بعنوان "أمن الطاقة العالمي... الواقع والآفاق المستقبلية والانعكاسات على أسواق الطاقة وعلى الدول الأعضاء".
وأشارت الدراسة الى أن أغلب الموارد العالمية تتوافر من مصادر الطاقة الأحفورية لدى الدول النامية، وتعتمد عليها كمصدر رئيسي للدخل القومي، وتسعى إلى تصديرها بأسعار عادلة وبكميات تحقق أفضل العوائد.وقالت إن قضية أمن الطاقة احتلت بذلك أهمية متزايدة في أجندة العلاقات الدولية المعاصرة، وأصبح التوافق في وجهات النظر حولها يمثّل هاجسا من الهواجس التي قد تهدد السلم والأمن العالمي في كثير من الأحيان.ولفتت الى أن أمن الطاقة يتشكل من خمسة أبعاد رئيسية، أولها البعد الاقتصادي الذي يتضمن مسألة وفرة الموارد والقدرة على الوصول إليها وتطويرها، والموازنة بين المصالح المتباينة للمنتجين والمستهلكين، والتوافق حول قضية السعر العادل الذي يشكل هاجسا مشتركا لكل الأطراف، بينما يتمثّل البعد الثاني في الأمن الطبيعي الذي يشمل أمن الممتلكات والمنشآت والبنى التحتية وسلاسل الإمداد ومسارات التجارة وحمايتها من أي أضرار محتملة، وعلى رأسها العمليات التخريبية.وأضافت أن البعد الثالث يتمثّل في البعد المؤسسي، أي في وجود المنظمات الدولية القادرة على تنظيم سوق الطاقة العالمي، والمحافظة على استقراره، ومنصات الحوار اللازمة لتيسير عملية التقارب في وجهات النظر بين الدول المنتجة والمستهلكة، كما يشمل البعد المؤسسي أيضا السياسات الوطنية وشفافية البيانات المتعلقة بالطاقة، والتي تعتبر ضرورة ملحّة لاستراتيجيات تخطيط الطاقة. وقالت إن البعد الرابع، وهو البيئي، يأتي لاستخدام مصادر الطاقة والجدل الدائر حول قضايا الاحتباس الحراري وعلاقته بمصادر الطاقة واستخداماتها، وأخيرا، يأتي الاستثمار الذي يلعب دورا أساسيا في أمن الطاقة، والذي يتطلب سياسات واضحة من جانب الدول المستهلكة، تضمن الطلب المستقبلي على مصادر الطاقة، ومناخات عمل مشجعة تضمن أسعارا عادلة تحفز الاستثمار في الوصول إلى الموارد والبنى التحتية اللازمة لضمان تدفق آمن للإمدادات في الوقت المناسب في المستقبل.ولفتت الدراسة الى انه مما لا يدع مجالا للشك أن أسعار النفط تؤثر بشكل قوي وفعّال في قيادة حجم الاستثمار في إنتاج النفط، حيث تساهم الأسعار المرتفعة في تشجيع الاستثمار، بينما تؤدي الأسعار المنخفضة إلى نزوح الاستثمارات عن هذا القطاع. وهناك مؤشرات على أن معاناة أسواق النفط للظروف التي مرت بها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن السابق هي حالة تتكرر حاليا، حيث شهد عدد الحفارات العاملة في العالم تراجعاً كبيراً، بسبب التراجع الذي شهدته أسعار النفط خلال الربع الثاني من عام 2020 والضبابية الكبيرة المحيطة بمستقبل الطلب العالمي على النفط في أجواء عدم اليقين المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد والآثار المرتبطة بها.وذكرت أن المعلومات الأولية تشير إلى وجود اتجاه عام لتأجيل بعض المشاريع الجديدة في مجال الطاقة، والى إلغاء البعض منها، بسبب التوقعات المتعلّقة بطول الفترة الزمنية من الأسعار المنخفضة والضبابية المحيطة بمستقبل الطلب العالمي على النفط.وقالت إن الركود في نشاط الاستثمار بسبب الأسعار المنخفضة والضبابية المحيطة بمستقبل الطلب العالمي على النفط، قد يؤدي إلى تآكل الطاقات الإنتاجية الفائضة لدى "أوبك" تدريجياً عند تعافي الاقتصاد العالمي ومعاودة الطلب لنموه المعهود، ولذا من المقدّر أن النقص في العرض سيكون واقعا حقيقيا، وعندها ستصبح الزيادة في الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد تحديًا حقيقيًا، وترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية، وسنرى طفرة أخرى لأسعار النفط ربما تكون أشد حدة من سابقتها.وأكدت الدراسة أنه في ظل الظروف الحالية للأسواق، يمكن للأسعار المستقبلية للنفط أن تتحرك وفق ثلاثة سيناريوهات محتملة ترتبط بتداخل قوى الطلب والعرض في الأسواق، يعكس السيناريو الأول نجاح جهود العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي، والذي يعني عودة التعافي التدريجي للطلب على النفط، ومع استمرار الحوار والتنسيق بين مجموعة "أوبك+" في مراقبة الأسواق والالتزام التام بحصص الانتاج، سيؤدي ذلك إلى عودة التعافي التدريجي لأسعار النفط في الأسواق العالمية، والذي يؤدي بدوره في نهاية المطاف إلى عودة انتعاش نشاط الاستثمار في الصناعة النفطية لضمان إمدادات آمنة ومستقرة للأسواق.وقالت إن السيناريو الثاني يمثّل تعرّض جهود العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي لانتكاسة بسبب توقّع حدوث موجة ثانية من جائحة فيروس كورونا المستجد، وهذا ما لوحظ في الوقت الحاضر، الأمر الذي يتوقع أن يؤدي إلى عودة الإغلاقات في عدد من الدول واضطراب جديد لحركة النقل والمواصلات والسياحة، بما ينعكس في انخفاض حاد آخر في الطلب على النفط، فتأتي الاستجابة سريعة من جانب العرض وتنجح مجموعة "أوبك+" في إعادة التوازن إلى الأسواق من خلال الاتفاق المبرم بشأن الخفض اللازم وتطبيقه والالتزام به لحين عودة التعافي مرة أخرى إلى الأسواق. ويلتحق مسار هذا السيناريو بمسار السيناريو الأول عند عودة التعافي التدريجي لأسعار النفط في الأسواق العالمية، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى عودة انتعاش نشاط الاستثمار في الصناعة النفطية لضمان إمدادات آمنة ومستقرة للأسواق.وقالت إن السيناريو الثالث ينطلق بنفس الظروف التي هيأت انطلاقة السيناريو الثاني، إلا أن المسار البديل الذي يمكن أن يحدث هو إخفاق جانب العرض بعدم تمكّن مجموعة "أوبك+" وبقية المنتجين في إعادة التوازن إلى الأسواق عبر الاتفاق على الخفض اللازم وتطبيقه والالتزام به، مما يؤدي إلى تكرار سيناريو أزمة الثمانينيات عبر استمرار الأسعار المنخفضة، وركود نشاط الاستثمار. وعندما ينهض الاقتصاد العالمي من ركوده، ويعاود الطلب على النفط نموه، ستختفي الطاقات الإنتاجية الفائضة لدى "أوبك" تدريجيا، وعندئذ ترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية، وسنرى طفرة أخرى لأسعار النفط ربما تكون أشد حدة من سابقتها.