تراجع الدولار للأسبوع الثاني على التوالي، والذي لم يشهد أحداثا اقتصادية تذكر، في حين كان مثقلا على الصعيد السياسي. وما تزال مناظرات نائبي مرشحَي الرئاسة الأميركية التي جرت الأسبوع الماضي تشير إلى تقدّم جو بايدن بفارق ضئيل في استطلاعات الرأي ضد الرئيس ترامب، في ظل تزايد التوقعات بتأجيل ضخ حزمة التحفيز المالي إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.

كما أوقف ترامب فجأة المفاوضات مع المشرعين الديمقراطيين فيما يتعلق بوضع تشريعات حزمة التحفيز الاقتصادي لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا إلى ما بعد الانتخابات.

Ad

وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، يتوقّع المحللون أن يقدم كلا المرشحين نوعا من حزم التحفيز، في حين تشير الآراء إلى أن تولي بايدن الرئاسة الأميركية، مقترناً بتوجهات مجلس الشيوخ الأميركي تحت سيطرة الحزب الديمقراطي، قد يؤدي إلى إقرار تحفيز اقتصادي أكبر حجماً.

ومن المتوقع أن تساهم الحوافز المالية، التي تقدر قيمتها ما بين 1 و3 تريليونات دولار، في زيادة المعروض النقدي من العملة الأميركية، كما سترفع أيضاً مستويات الدين العام البالغ 26 تريليونا، وهو الأمر الذي يجب أن يقلل نظرياً من قيمة الدولار.

إلا أن محافظي البنوك المركزية العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أعربوا عن أهمية تجديد برامج الإنفاق الحكومي لدعم العائلات والشركات، في الوقت الذي تدخل المعركة ضد الركود الناجم عن فيروس كورونا مرحلة حرجة. وصرح رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول خلال مؤتمر للأعمال أن المخاطر الصحية وإمكانية امتداد "الأوضاع العصيبة" نتيجة لتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة قد تؤدي إلى "ديناميكيات ركود مطردة" قد تستمر فترة طويلة، حيث يتفاقم ضعف النمو الاقتصادي من خلال جولات متتالية من تسريح الموظفين والتعثّر والإفلاس.

وقد تساهم الحوافز المالية في مواجهة تلك المصاعب من خلال تعزيز الإنفاق على قطاع التجزئة والإيجارات والرهن العقاري، هذا إلى جانب تعويض بعض الوظائف التي تم فقدها خلال الجائحة، والبالغ عددها 11 مليون وظيفة.

وساهم تزايد التوقعات بفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية بتهدئة أوضاع التذبذب التي شهدتها الأسواق، وعزز معنويات الإقبال على العملات التي تضررت جراء الحرب التجارية القائمة بين واشنطن وبكين.

وسجل اليوان الصيني الأسبوع الماضي أعلى معدل ارتفاع يومي يشهده منذ أكثر من أربعة أعوام. وفي واقع الأمر، يشير سماح صانعي السياسة الصينيين بهذا التعديل اليومي إلى أن الصين تراهن أيضاً على فوز بايدن. وقد يؤدي تولي إدارة جديدة لزمام الأمور في البيت الأبيض إلى توطيد علاقات أكثر استقراراً بين الصين والولايات المتحدة، وتراجع وتيرة تصعيد الحرب التجارية التي استمرت على مدار السنوات الأربع الماضية.

وتأكيداً لأهمية الدور الذي تؤديه السياسات التجارية، صدر الأسبوع الماضي تصريح عن وزارة التجارة يشير إلى ارتفاع العجز التجاري الأميركي في أغسطس إلى أعلى مستوياته المسجلة في 14 عاماً، في ظل تزايد الواردات مرة أخرى. وقفز العجز التجاري بنسبة 5.9 في المئة، ليصل إلى 67.1 مليار دولار، في حين يعتبر أوسع فجوة يشهدها منذ أغسطس 2006، حيث ارتفعت الواردات بنسبة 3.2 في المئة، لتصل إلى 239 مليار دولار. وتخطت تلك البيانات توقعات الاقتصاديين بما يشير إلى أن التجارة قد تكون عبئاً على النمو الاقتصادي في الربع الثالث.

الاتحاد الأوروبي يخشى عودة الجائحة

ارتفع اليورو الأسبوع الماضي بصفة رئيسية على خلفية ضعف الدولار، حيث لا يزال الاقتصاد الأوروبي مثقلا بنفس المشكلات المتعلقة بجائحة "كوفيد - 19". واتفقت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد مع باول في دعوتها الأسبوع الماضي لضخّ المزيد من التحفيز المالي. وصرحت لاغارد بأن زيادة إجراءات الإغلاق في أوروبا تشكّل مخاطر سلبية على التوقعات الاقتصادية، ودعت الحكومات إلى الحفاظ على الدعم المالي. وهناك مخاوف حقيقية تجاه تداعيات الموجة الثانية لـ "كوفيد - 19" وتأثيرها السلبي على النشاط الاقتصادي نتيجة لفرض قيود أكثر صرامة.

وأخيراً، على سبيل المثال، فرضت الحكومة الإسبانية يوم الجمعة الماضي حالة الطوارئ لتطبيق قواعد الإغلاق الجزئي على مدريد بالقوة. وتتشابه الأحداث في أماكن أخرى من الاتحاد الاوروبي، وتظهر هناك أدلة متزايدة تؤكد المعاناة التي تتعرض لها القطاعات والدول المختلفة لمواجهة عودة ظهور الفيروس، بما يؤدي إلى إعادة فرض القيود على أنشطة الأعمال.

فقد تراجع الرقم النهائي لمؤشر مديري المشتريات المركب الصادر عن شركة IHS Markit، والذي يجمع بين قطاعي الخدمات والتصنيع، ويعتبر مقياساً جيدًا للأوضاع الاقتصادية العامة، إلى 50.4 نقطة في سبتمبر مقابل 51.9 في أغسطس.

وساهم أداء قطاع الخدمات في دفع المؤشر نحو التراجع، نظراً لمساهمته بنسبة تقارب حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، حيث انخفض مؤشر قطاع الخدمات إلى ما دون حاجز 50 نقطة، والذي يعتبر العلامة الفاصلة بين النمو والانكماش، وصولا إلى مستوى 48.0 نقطة مقابل 50.5 في أغسطس.

تباطؤ النمو في المملكة المتحدة

تباطأ معدل النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو أقل بكثير من التوقعات بارتفاعه بنسبة 2.1 بالمئة فقط في أغسطس. كما وصف الاقتصاديون هذه الزيادة بأنها "دفعة مؤقتة" نتيجة لإعادة فتح الاقتصاد ومبادرات التحفيز الحكومية، بدلاً من كونها تأكيداً على حدوث الانتعاش المستدام على شكل حرف "V".

ويعزى أكثر من نصف معدل النمو الاقتصادي الذي شهده شهر أغسطس لقطاعي الاسكان والمواد الغذائية، حيث ارتفع الإنتاج بنسبة 71.4 في المئة، بفضل برنامج الحكومة لدعم المطاعم الذي امتد لمدة شهر.

وأظهرت البيانات أن اقتصاد المملكة المتحدة، الذي انكمش بمعدلات أكثر من أي دولة أخرى ضمن مجموعة السبع في الفترة من أبريل إلى يونيو، ظل أقل بنسبة 9.2 في المئة عن المستويات المسجلة قبل الجائحة.

وكبقية الاقتصادات الكبرى الأخرى، تدرس بريطانيا تقديم الحوافز المالية والنقدية من سندات الخزانة الحكومية والبنوك المركزية لتعزيز النمو الاقتصادي. وقد تعهّد وزير المالية ريشي سوناك بتقديم خطة لدعم الوظائف بالشركات التي قد يطلب منها إغلاق أنشطتها، في حين صرح محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي بأن البنك مستعد لاستخدام قوة أدوات السياسات النقدية.

انفصال المملكة المتحدة عن «الأوروبي»

أما على صعيد انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، فقد أعلنت بريطانيا والاتحاد الأوروبي إحراز "تقدم كبير" في المحادثات، حيث اقترب الجانبان من التوصل إلى اتفاقية بشأن التجارة وحقوق الضمان الاجتماعي المتبادلة لمواطنيهم بعد الانفصال وفقاً لمصدرين دبلوماسيين، حيث وصف أحد المصادر محادثات الأسبوع الماضي حول الصفقة التجارية بأنها "إحدى أكثر المحادثات إيجابية حتى الآن"، وواصل واصفاً الموقف بأنه "يبدو أننا نقترب أكثر فأكثر من التوصل إلى صفقة". وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن بروكسل تستعد لمد فترة التفاوض حتى منتصف نوفمبر، بدلاً من وقف المحادثات في بداية الشهر، لتجنب سيناريو "عدم التوصل لاتفاق" الضار بمصالح الطرفين.