ألزمت الدائرة المدنية الأولى في محكمة التمييز، برئاسة المستشار فؤاد الزويد، وكيل وزارة المالية ردّ مبلغ مليونين وتسعمئة ألف دينار لأحد المواطنين، لتحصيلها كرسوم من دون وجه حق، نتيجة عدم البناء في أرض فضاء.ورفضت المحكمة الطعن المقام من وزارة المالية بطلب رفض دعوى المواطن على سند أحقيتها في الرسوم على الأراضي الفضاء، وذلك وفقا للقانون رقم 8 لسنة 2008، إلا أن «التمييز» أكدت أن استحقاق الدولة للرسوم تلك مرتبط بتوافر البنية التحتية وتوصيل التيار الكهربائي في المناطق التي تستحق عنها الرسوم، وبالتالي فإنّ الأراضي المملوكة للمواطن ليست من بين تلك المناطق.
وتتحصل وقائع الطعن أن المطعون ضده الأول (المواطن)، أقام على الطاعن بصفته وكيل «المالية» بطلب الحكم - وفقا لطلباته الختامية - بإلزام الطاعن بصفته بأن يؤدي إليه مبلغ 2.996.892.420 دينار (مليونين وتسعمئة وستة وتسعين ألفا وثمانمئة واثنين وتسعين دينارا وأربعمئة وعشرين فلسا)، وفي بيان ذلك يقول إن الطاعن بصفته قام بتحصيل رسوم على قسائم السكن الخاص غير المبنية والمملوكة له عن السنتين الماليتين 2009/ 2010، 2010/ 2011 استنادا إلى القانون رقم 8 لسنة 2008 المعدل للقانون رقم 50 لسنة 1994 في شأن تنظيم واستغلال الأراضي الفضاء، بالرغم من عدم توافر الشروط والضوابط المقررة قانونا لاستحقاق هذه الرسوم، ومن ثم فقد أقام الدعوى.وندبت المحكمة خبيرا ثم أعادتها إليه، وبعد أن أودع تقريره حكمت بالطلبات. وقد استأنف الطاعن (وكيل المالية) هذا الحكم، فقضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق التمييز، وأودعت النيابة مذكّرة أبدت فيها الرأي برفضه.
موقف سلبي
وقالت «التمييز»، في حيثيات حكمها، إنه وعن الدفع المُبدى من النيابة ومن المطعون ضده السابع بعدم قبول الطعن، فإنه في محلّه. ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه لا يكفي فيمن يختصم في الطعن أن يكون طرفا في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، بل يجب أن تكون له مصلحة في الدفاع عن الحكم حين صدوره لما كان ذلك، وكان المطعون ضدهم من الثاني حتى الأخير بصفاتهم اختصموا في الدعوى دون أن توجّه إليهم طلبات، ولم يدفعوا الدعوى بثمّة دفع أو دفاع، ووقفوا من الخصومة موقفا سلبيا، ولم يقض لهم أو عليهم بشيء، وكانت أسباب الطعن لا تتعلّق بهم، ومن ثمّ فلا يعتبرون خصوما حقيقيين، ويكون اختصامهم غير مقبول.وبينت المحكمة أن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعن، بصفته وكيل وزارة المالية على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول إن أراضي التداعي تخضع لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار رقم 21 لسنة 2010، ويستحق عليها الرسوم المقررة، باعتبار أن مساحتها تزيد على خمسة آلاف متر مربع، وقد تم تحصيل الرسوم من المطعون ضده الأول في ضوء الكشوف الواردة له من إدارة التسجيل العقاري، بعد صدور قرار من بلدية الكويت بتنظيمها وفرزها، وإذ لم يشترط القانون لخضوع قسائم السكن الخاصة غير المبنية لأحكامه أن تقع في مناطق مسموح فيها بالبناء، أو أن تكون جاهزة للبناء، فتكون الرسوم المفروضة بالقانون آنف البيان مستحقة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واستند في قضائه إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى، والذي أورد أن المطعون ضده ليست لديه قسائم يستحق عنها رسوم، فإنه يكون معيبا بما يستوجب تمييزه.لا اجتهاد مع وضوح العبارة
وقالت إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن القاضي مطالب أصلا بالرجوع إلى النص القانوني الذي ينطبق على واقعة النزاع بالدعوى في حدود عبارة النص، فإذا كانت واضحة الدلالة، فلا يجوز الأخذ بما يخالفها أو يقيدها أو يزيد عليها، لما في ذلك من استحداث حكم مغاير لموادّ الشارع عن طريق التفسير والتأويل بما لا تحتمله عباراته الصريحة الواضحة، وأنه لا مجال للاجتهاد مع وضوح تلك العبارة، أو البحث في حكمة التشريع ودواعيه إلا عند غموض النص، أو وجود لبس في مفهوم عباراته، إذ لا عبرة بالدلالة مقابل التصريح، وأن تفسير النص مشروط بألّا يكون فيه خروج على عباراته أو تشويه لحقيقة معناه، وإنه وإن كان لكلّ نص مضمون مستقل، إلا أنّ ذلك لا يعزله عن بقية النصوص القانونية الأخرى التي ينظمها جميعا وحدة الموضوع، بل يتعين أن يكون تفسيره متسانداً معها، وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينها التوافق، وينأى بها عن التعارض، فالنصوص لا تُفهم بمعزل عن بعضها البعض، إنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء ما تهدف إليه دلالة النصوص الأخرى من معان شاملة.وكان المشرّع بعد أن فرض في المادة الأولى من القانون رقم 50 لسنة 1994 في شأن استغلال القسائم والبيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 2008 رسما سنويا على قسائم السكن الخاص غير المبنية المملوكة للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين فيما زادت مساحته منها على خمسة آلاف متر مربع بواقع عشرة دنانير عن كل متر مربع يجاوز هذه المساحة، نص في المادة الأولى مكرر منه على أن «يستحق الرسم السنوي المقرر المادة السابقة اعتبارا من أول الشهر التالي لانقضاء سنة من تاريخ العمل بهذه المادة، أو من أول الشهر التالي لانقضاء سنتين من تاريخ الموافقة على مشروع التقسيم الخاص، أو أي مشروع يتضمن قسائم مخصصة للسكن الخاص من قبل بلدية الكويت أيهما أبعد».فك احتكار
ثم صدر قرار وزير المالية رقم 21 لسنة 2010 باللائحة التنفيذية لهذا القانون، ونص في المادة الثالثة على أن «يقف استحقاق الرسم المقرر على القسيمة متى اكتمل البناء عليها، وصارت جاهزة للسكن فيه، ويعد البناء مكتملا إذا تم تنفيذه وفقا للترخيص الصادر من البلدية، وتم إيصال التيار الكهربائي إليه»، وكان مفاد صراحة هذه النصوص مجتمعة التي لا تنفك عن الغرض الذي ينشده المشرّع من فرض هذا الرسم، وهو عدم ترك تلك القسائم، وهي مخصصة للسكن الخاص أرضا فضاء، بل حثّ ملّاكها على البناء عليها، لا سيما أن الدولة تستأديه جبرا عن المكلف بأدائه وبطريقة دورية متجددة، حال أنها لا تدرّ دخلا، ودون أن يعود عليه نفع خاص من وراء التحمل به، وبغير أن يقابله نشاط أتاه الشخص العام عوضاً عن تكلفته، وأنه يشترط الاستحقاق هذا الرسم على قسائم السكن الخاص غير المبنية أن يكون بقاء هذه القسيمة دون بناء راجعة لاختيار مالكها، فإن كان عدم البناء عليها راجعا إلى أنها تقع في منطقة غير مسموح بالبناء فيها، أو لعدم اكتمال البنية التحتية لها، وهو أمر يرجع إلى جهة الإدارة التي ناط بها القانون هذا الاختصاص، فإنّ بقاء القسيمة دون بناء يكون رغما عن مالكها، ولا يستقيم معه أن يفرض رسمه على بقائها دون بناء لسبب لا يد للمالك فيه، فضلا عن أن اقتضاء هذا الرسم بصفة دورية مع استحالة استغلالها يؤدي حتما إلى تآكل رأسمال أصحابها، مما لا يتفق مع قصد المشرّع من فرضه، ويؤكد ذلك المعنى أن المذكرة الإيضاحية للقانون حين أشارت الى الهدف منه أوردت عبارة «فك احتكار الأراضي غير المستغلة»، وأن هذا الوصف لا يصدق إلّا إذا كان بالإمكان استغلال القسيمة بأن تكون في منطقة مسموح البناء فيها، كما أكدته إدارة الفتوى والتشريع الذي استجابت له البلدية، وهي الجهة التي ناط بها المشرع في اللائحة التنفيذية للقانون، التحقق من قسائم السكن الخاص غير المبنية لأحكامه من أن الرسوم المقررة بالقانون المشار اليه تستحق على قسائم السكن غير المبنية إذا توافرت لها مصادر توصيل التيار الكهربائي، ولم يتم البناء عليها، وأن الرسم لا يستحق على القسائم الكائنة بمناطق غير مسموح فيها البناء، ولا على الأراضي التي لم يصدر قرار من البلدية بتنظيمها وفرزها إلى قسائم متعددة.رفض الطعن
ولفتت المحكمة الى أنه وإذا كان ذلك، فإن الرسم لا يستحق على قسائم السكن الخاص غير المبنية بمناطق غير مسموح فيها البناء، ولا تلك التي لا يتوافر لها مصادر توصيل التيار الكهربائي إلا من تاريخ توصيله.لما كان ذلك، وكان تقرير لجنة الخبراء المودع بالأوراق قد أورد بنتيجته أن القسائم المملوكة للمطعون ضده الأول لا يمكن البناء عليها في عامي 2009/ 2010، 2010/ 2011 لعدم وجود البنية التحتية المتمثلة في توصيل التيار الكهربائي آنذاك، وإذ رتّب الحكم المطعون فيه على ذلك عدم أحقية الطاعن بصفته فيما تسلّمه من رسوم عن هاتين السنتين، وفقاً لما جرى به نص القانون 8 لسنة 2008 المشار اليه آنفاً، والذي استلزم جاهزية الأراضي المعدّة للبناء حتى يحق تحصيل الرسوم عليها، وبالتالي أحقية المطعون ضده الأول في استرداد ما سدّده منها دون حق، فإنه يكون قد طبّق القانون تطبيقا صحيحاً.