عادت اتهامات الاحتكار والإضرار بالمنافسة لتهدد شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة، وسط مطالب بتقليص هيمنتها على عشرات القطاعات عبر تقسيم أعمالها.

لكن الأمر قد لا يبدو بهذه البساطة بالنظر إلى تعقيد وتشعب أعمالها، إضافة إلى ظهور أصوات مؤيدة لنشاطها وإيجابياته بالنسبة للمنافسين والمستهلكين والاقتصاد الأميركي عموماً.

Ad

اتهامات وشكوك وتوصيات

- خلص تحقيق استمر خمسة عشر شهراً من لجنة قضائية في مجلس النواب الأميركي إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى تتمتع بقوى احتكارية بحاجة إلى كبح جماحها.

- أصدرت اللجنة تقريراً في 450 صفحة يتناول وضع ومشاكل احتكارية شركات «آبل» و»أمازون» وفيسبوك» و»غوغل»، بعد العشرات من الشهادات وجلسات الاستماع ومراجعة نحو 1.3 مليون وثيقة.

- عموماً، اتهم الديمقراطيون في مجلس النواب الشركات الأربع بإساءة استخدام مكانتها المهيمنة من خلال فرض رسوم باهظة أو شروط تعاقد صارمة والحصول على بيانات مهمة من جانب الأفراد والشركات التي تعتمد عليها في الحصول على الخدمات.

- اتهم التقرير شركة «فيسبوك» لتمتعها بمكانة احتكارية في سوق الإعلانات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد استحواذها على «إنستغرام» عام 2012 والذي قضى على احتمالات تنافسية لخدمات أخرى.

- وفيما يتعلق بـ»أمازون»، ترى اللجنة أن شركة التجارة الإلكترونية تمتلك هيمنة احتكارية تضر معظم البائعين الخارجيين والعديد من الموردين، مشيرة إلى أن حصة الشركة من إجمالي سوق مبيعات التجزئة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة قد تكون في حدود 50 في المئة أو أكثر.

- بالنسبة لشركة «آبل»، تشير الاتهامات إلى أن قوتها الاحتكارية تبرز في نشر تطبيقات البرامج عبر أجهزتها العاملة بنظام تشغيل «إي أو إس» والذي يعمق هيمنة الشركة عبر فرض حواجز أمام المنافسة والتمييز ضد المنافسين مع تحصيل رسوم عبر متجر «آب ستور».

- بينما تعتقد اللجنة أن هيمنة «غوغل» تظهر بشكل واضح في أسواق البحث والإعلانات، مع استخدام قوتها الاحتكارية لتتبع المنافسين ووضع حواجز على دخول آخرين للسوق.

- أوصى التقرير بإجبار شركات التكنولوجيا على الانقسام أو فرض هياكل تجارية تجعل أعمالها المختلفة منفصلة كلياً عن الكيان الرئيسي.

- يمكن أن يتضمن الحل سيناريو مثل إجبار «غوغل» على فصل أعمالها عن «يوتيوب»، أو قيام «فيسبوك» بأمر مماثل فيما يتعلق بأعمال منصتي «إنستغرام» و»واتساب».

- قال رئيس اللجنة القضائية «ديفيد سيسيلين»، إن هذه الطريقة تشبه إلى حد ما قانون «جلاس ستيجال» الذي صدر في ثلاثينيات القرن الماضي، وقام بفصل الأعمال المصرفية التجارية للبنوك عن الخدمات الاستثمارية.

- تضمنت باقي التوصيات منع المنصات المهيمنة من تفضيل خدماتها الخاصة وفرض شروط متساوية للمنتجات المنافسة، إضافة إلى مطالبة الجهات التنظيمية بجمع بيانات أكثر دقة عن أنشطة الهيمنة.

ردود أفعال معارضة

- الواقع أن الشركات التكنولوجيا الأربع تعتبر ضمن الأكبر من حيث القيمة السوقية في الولايات المتحدة، إضافة إلى أنها تمتلك أعمالاً واسعة في قطاعات مثل الجوالات وأنظمة التشغيل والإعلانات الإلكترونية والبحث عبر الإنترنت والتجارة وغيرها.

- تمثل «آبل» و»أمازون» و»فيسبوك» و»ألفابت» المالكة لـ»غوغل» نحو 20 في المئة من إجمالي القيمة السوقية لسوق الأسهم الأميركي، كما أنها مجتمعة قامت بنحو 730 عملية استحواذ على شركات في السنوات الخمس الأخيرة، مما حول هذه المؤسسات من منافسين محتملين إلى جزء من الكيان.

- أبدت شركة «غوغل» اعتراضها على التقرير، معتبرة أنه يحتوي على ادعاءات قديمة وغير دقيقة من جانب منافسين تجاريين لخدمات البحث وأعمالها الأخرى.

- ادعت «غوغل» أن الأميركيين لا يريدون من الكونغرس تقسيم منتجات الشركة أو الإضرار بالخدمات المجانية التي يستخدمونها يومياً، مشيرة إلى أن قانون مكافحة الاحتكار يستهدف حماية المستهلك وليس مساعدة المنافسين، بينما هذه المقترحات الأخيرة قد تسب ضرراً للمستهلكين والمكانة القيادية للولايات المتحدة في قطاع التكنولوجيا وحتى الاقتصاد الأميركي نفسه.

- بينما قالت «فيسبوك» إن عمليات الاستحواذ تعتبر جزءاً من كل صناعة كما أن هذه الصفقات مرت بمراجعة دقيقة من المنظمين، مشيرة إلى أن «إنستغرام» و»واتساب» حققتا مستويات جديدة من النجاح لأن مالكة موقع التواصل الأشهر استثمرت مليارات الدولارات فيها.

- «أمازون» أيضاً أبدت اعتراضها على ما اعتبرته تدخلات مضللة للسوق الحر، منتقدة -بدون إشارة مباشرة للتقرير- المفاهيم المغلوطة بشأن مكافحة الاحتكار والتي قد تضر بالشركات الصغيرة والمستهلكين على السواء.

- في حين ذكرت «آبل» أنها لا تمتلك حصة سوقية مهيمنة في أي فئة من الفئات التي تمارس فيها أعمالها، مشيرة إلى أن الرسوم التي تفرضها على المطورين تعتبر في نفس الاتجاه السائد في المنصات المماثلة.

- يرى المعارضون لتقرير لجنة مجلس النواب أنه تجاهل حقائق مثل أن الأسعار آخذة في الانخفاض مع صعود الإنتاجية وازدهار أعمال المنافسين الجدد والتوظيف الذي يتجاوز باقي القطاعات، ناهيك عن أن المستهلكين يحبون هذه الشركات وخدماتها.

هل يمكن تقسيم العمالقة؟

- رغم أن اللجنة القضائية الفرعية لمكافحة الاحتكار كانت تضم أعضاء من كلا الحزبين، فإن المشرعين الجمهوريين في اللجنة لم يوقعوا على معظم التوصيات الصادرة عن التحقيقات.

- تلخصت توصيات اللجنة التي تعبر عن وجهة نظر المشرعين الديمقراطيين في تغيير القوانين الخاصة بمعايير الموافقة على عمليات الاستحواذ في صناعة التكنولوجيا مستقبلاً، إضافة إلى تقسيم بعض المنصات المهيمنة على الأنشطة التجارية، وزيادة قوة وتمويل الجهات التنظيمية مثل لجنة التجارة الفيدرالية ووحدة مكافحة الاحتكار بوزارة العدل.

- يجادل المطالبون بتقسيم هذه الشركات بحقيقة أنها تمتلك قيماً سوقية غير مسبوقة ومكانة مهيمنة في كثير من الصناعات، وسط مخاوف بشأن المستقبل، وما قد يشكله في حال استمرت في النمو بدون رادع مع تخطيط بعضها بالفعل لدخول مجالات مثل الرعاية الصحية والعملات المشفرة والاتصالات الفضائية وغيرها الكثير.

- على الجانب الآخر، أصدر الجمهوريون تقريرهم الخاص بعنوان «طريق ثالث للتعامل مع الشركات الكتنولوجيا الكبرى»، الذي دعا إلى «تطبيق مستهدف» لقوانين مكافحة الاحتكار الحالية بدلاً من ابتكار لوائح قد تقضي على الابتكار في القطاع.

- يخشى البعض من اعتبار شركات التكنولوجيا الكبرى «أكثر تعقيداً من أن يتم تقسيمها»، فيما يشبه المصطلح الذي ظهر حول البنوك إبان الأزمة المالية العالمية «أكبر من أن تسقط».

- لا تعتبر اتهامات الاحتكار أمراً جديداً لشركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، لكنها لم تشكل تهديداً ملحوظاً لأعمالها أو مكانتها طوال السنوات الماضية ومنذ تسوية التحقيقات التي طالت «مايكروسوفت» قبل 20 عاماً.

- «ستيف بالمر» الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة «مايكروسوفت» إبان أزمة تحقيقات الاحتكار في عام 2000 لا يعتقد بإمكانية حدوث تقسيم لشركات التكنولوجيا الكبرى بعد تقرير لجنة مجلس النواب.

- لكن «بالمر» يرى احتمالية لحدوث تغيرات فيما يتعلق بصفقات الاستحواذ والشروط التي قد تفرضها الجهات التنظيمية في سبيل تحجيمها، في إطار القلق المتزايد حيال ممارسات منع الاحتكار ودعم المنافسة.