يعتبر الاكتشاف الجديد في تونا الجبل بمصر الثاني هذا العام بعد اكتشاف 16 مقبرة بها حوالي 20 تابوتاً وأواني كانوبية في شهر فبراير الماضي. ويعتبر خبراء الآثار أن منطقة الغريفة الأثرية بتونا الجبل التي تم بها الاكتشاف الآثري الجديد ماتزال تبوح بأسرارها.
وأوضح د. مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن البعثة بدأت موسمها الرابع بإزاحة الرديم الموجود، مما أدى إلى العثور على بئر على عمق 5 أمتار، يوجد فيها تابوت مصنوع من الحجر الجيري عليه مناظر تمثل أولاد حورس الأربعة في حالة جيدة من الحفظ بجانبه مجموعة من تماثيل الأوشابتي المصنوعة من الفاينس. وأضاف أن أعمال الفحص المبدئي أشارت إلى أن هذا الشخص يدعى چحوتي أم حتب من الأسرة الـ 26، وكان يشغل منصب عظيم الخمس والمشرف على العروش وانه ابن حرسا ايست الذي كشفت البعثة عن التابوت الخاص به في موسم حفائرها الأول عام 2018.
الأشمونين الأثرية
تقع منطقة تونا الجبل على بعد حوالي 7 كم من مدينة الأشمونين الأثرية، وتتبع مركز ملوي، وكانت عاصمة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا، وجبانتها هي الجبانة المتأخرة لمدينة الأشمونين. واشتق اسمها من الكلمة المصرية القديمة "تاحني" أي البحيرة؛ إشارة إلى بحيرة كانت تتكون في المنطقة نتيجة لفيضان النيل، وأصبحت في اليونانية "تاونس"، ثم "تونة" في العربية، وأضيفت إليها كلمة الجبل نظراً لوقوعها في منطقة جبلية.ويقول أستاذ الآثار بجامعة القاهرة د. محمود ناصر، إن الاكتشاف الأثري الجديد بمنطقة الغريفة بتونا الجبل يزيد من اهتمام الآثاريين بهذه المنطقة، في حين تمثل جبانة تونا الجبل أهمية خاصة لأنها تبرز مظاهر التزاوج الفني بين الفن المصري القديم والفن اليوناني. وتضم المنطقة آثاراً عدة منها لوحات حدود مدينة أخناتون، وسراديب تونة الجبل، وهي عبارة عن مجموعة ضخمة من الممرات المنقورة في الصخر لدفن طيور أبو منجل المقدسة والقردة بعد تحنيطها، ومقبرة "بيتوزيرس" ومجموعة من تماثيل الأوشابتي المصنوعة من خزف القاشاني ممثَّلة على هيئة مومياء ترتدي الشعر المستعار وقد تقاطعت أذرعها فوق صدورها. ونُقشت جميعها بنص هيروغليفي عبارة عن الفصل السادس من "كتاب الموتى".العقائد المصرية
أما منطقة الأشمونين فتقع على بعد 8 كم شمال غرب ملوي ، واشتق اسمها من "خمنو" أي رقم ثمانية، لأن كهنتها كانوا أصحاب نظرية خلق الكون بواسطة ثمانية آلهة، وأصبحت الكلمة في القبطية "شمون" و"شمنو" ثم أصبحت في العربية "الأشمونين" وقد عرفت أيضاً في اليونانية باسم "هرموبوليس" أي مدينة الإله "هرمس" الذي ربط اليونانيون بينه وبين المعبود المصري "چحوتي".ولم تتبوأ الأشمونين مكانتها المرموقة في العقائد المصرية بسبب ثامون الأشمونين فحسب، إنما لأنها كانت كذلك أيضاً مركز عبادة الإله "چحوتي" (إله الحكمة والمعرفة في مصر القديمة) الذي أقام له أمنحتب الثالث معبداً لم يبق منه سوى تمثال ضخم للمعبود "چحوتي" على هيئة قرد البابون، ويعتبر هذا التمثال أضخم تمثال لقرد عثر عليه في مصر.شكل المومياء
ماذا عن تماثيل الأوشابتي ومالغرض منها وكيف توجد بكثرة حول التوابيت المكتشفة ؟ أسئلة تتردد دائماً مع كل اكتشاف عنها، وتوضح المراجع التاريخية أن الغرض من تماثيل الأوشابتي هو خدمة المتوفى في العالم الآخر. وظهرت لأول مرة في الدولة الوسطى، إذ كانت تُزوَّد المقبرة بواحد أو اثنين منها، للقيام بالأعمال المختلفة نيابة عن المتوفى وكانت تلك التماثيل تأخذ شكل المومياء، وكانت تُصنع من خامات مختلفة كالأحجار، والبرونز، والخشب، والفخار، والشمع، والقاشاني الأزرق أو الأخضر، وكان الأخير هو الأكثر شيوعاً.وعُرفت هذه التماثيل أيضاً باسم "الشوابتي" أو "الشابتي" منذ الدولة الحديثة أي التماثيل "المجيبة" فكلمة "وشب" في اللغة المصرية القديمة تعني يجيب ومن هنا اشتق الاسم، أي لإجابة أو خدمة المتوفى؛ فكان يُكتب على هذه التماثيل جزء من الفصل السادس من كتاب الموتى، ويمثل مناجاة المتوفى للأوشابتي؛ بحيث يكلفه بأداء المهام الموكلة إليه ففيه يقول: "إذا نوديت لتؤدي أحد الأعمال الموكلة إليك فلتقل ها أنا ذا، أنا موجود لري الأرض، وزراعة الحقل ونقل الرمال من الشرق إلى الغرب".وأخذت أعداد هذه التماثيل في التزايد حتى بلغ عددها في الدولة الحديثة ثلاثمائة وخمسة وستين، أي بعدد أيام السنة، على أن يقوم كل واحد منها بالخدمة ليوم واحد من أيام السنة. وفي فترة لاحقة أضيف إليها ستة وثلاثون تمثالاً تمثِّل مشرفيها، ليبلغ إجمالي عدد التماثيل أربعمئة وواحد بالمشرفين.وكان كل مشرف يتابع عشرة من الأوشابتي العاملين. وكان المشرفون يُصوَّرون بملابس الأحياء كي يتم تمييزهم عن العمال. أما تماثيل العمال فغالباً ما كانت تُزوَّد بأدوات أعمالهم؛ مثل السلاسل والحقائب وأدوات الصيد، كما ظل بعضهم بلا أدوات. وكانت مجموعات الأوشابتي تحفظ داخل صناديق خشبية لحمايتهم.