منع «تيك توك» في باكستان... بين الصراع على السلطة والاعتبارات الأخلاقية!
ذكرت وكالة "رويتز" في 9 أكتوبر الجاري أن باكستان حظرت التطبيق الشهير "تيك توك"، واقتبست جزءاً من بيان "هيئة الاتصالات الباكستانية" حين أعلنت أن هذا القرار اتُخِذ "نظراً إلى عدد الشكاوى التي رفعتها شرائح مختلفة من المجتمع ضد المحتوى غير الأخلاقي وغير اللائق" في التطبيق، وتنضمّ باكستان بهذا القرار إلى عدوتها اللدودة الهند التي منعت تطبيق "تيك توك" بدورها، فضلاً عن عدد من التطبيقات الصينية الأخرى لأسباب مرتبطة بالأمن القومي في أواخر شهر يونيو الماضي، وحاولت إدارة ترامب أيضاً أن تحظر هذا التطبيق، إلى جانب "وي تشات"، في 7 أغسطس إذا لم تَبِعْهما شركتا "بايت دانس" و"تنسنت" الصينيتان لشركة أميركية خلال 45 يوماً، لكن منع أحد القضاة الفدراليين تنفيذ قرار الحظر.لم يتّضح بعد السبب الذي دفع باكستان إلى حظر "تيك توك" مع أنها تعرف جيداً أن الصين لن تُسَرّ بهذا القرار، ويمكن اعتبار العذر العلني المرتبط بالاعتبارات الأخلاقية مقبولاً ولو ظاهرياً، نظراً إلى محاولات البلد غير الواقعية سابقاً تنظيم المظاهر الفاحشة في العالم الرقمي، لكن يُعتبر توقيت الحظر مثيراً للاهتمام لأنه يتزامن مع اقتراب الصين من إعلان منطقة "غيلجيت بالتستان" المستقلة والمتنازع عليها مقاطعة كاملة الأهلية. كذلك، دعمت باكستان موقف الصين حول منطقة "شينغيانغ" ذات الأغلبية المسلمة، وهي خطوة جريئة بالنسبة إلى بلدٍ حاول مراراً طرح نفسه كزعيم للعالم الإسلامي، حتى أنه عبّر عن هذا الموقف حديثاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى صعيد آخر أدى تكثيف الضغوط العسكرية الصينية على الهند خلال الأشهر الخمسة الماضية إلى تخفيف الأعباء عن باكستان، ومنذ أغسطس من السنة الماضية، ذكرت نيودلهي مراراً احتمال اتخاذ موقف أكثر صرامة بكثير حول التقسيمات الإدارية في كشمير. أخيراً، يبدو أن "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني" عاد إلى مساره الطبيعي.
ما الداعي إذاً لزعزعة الوضع القائم؟ستحمل ردة فعل الصين على قرار الحظر خلال الأيام المقبلة أهمية كبرى (سبق أن اعتبرت الصين قرار الهند "انتقائياً وغير منصف" ومخالفاً لقواعد منظمة التجارة العالمية)، لكن يجب ألا ينسى أحد أن الحظر يتزامن مع توسّع الاضطرابات السياسية في باكستان، وتوحي الظروف الراهنة بأن المعارضة تحاول إخضاع حكومة عمران خان وإنهاء التدخل العسكري في الشؤون المحلية. إذا استمرت الضغوط على خان وداعميه العسكريين فمن المتوقع أن يضطر الجيش الباكستاني للاتكال على دعم رجال الدين السُّنة، علماً أن هذه الجهة القوية كانت تتعاون معه في معظم الأوقات، لكن ليس دائماً. بعبارة أخرى، سيضطر هذا المعسكر لتقديم بعض التنازلات لرجال الدين، وستكون مطاردة التطبيقات والمواقع الإلكترونية غير الأخلاقية ظاهرياً طريقة سهلة قد تستعملها "الحكومة الهجينة" التي تجمع بين خان والجيش لاسترضاء الدوائر الانتخابية الدينية القوية التي تسعى إلى ترسيخ قاعدتها.تجدر الإشارة إلى أن فضل الرحمن، رجل الدين الإسلامي المتطرف الذي أصبح سياسياً، هو الذي يقود تحالف المعارضة المؤلف من 11 حزباً، وهو ليس معروفاً بآرائه التقدمية بأي شكل، ومن خلال استعمال العذر الأخلاقي أمام الرأي العام، ربما يأمل خان تخفيف الضغوط التي يفرضها عليه فضل الرحمن، كذلك اتخذ خان شخصياً قرار حظر تطبيق "تيك توك" على ما يبدو، فدعا "هيئات الاتصالات بهذه الطريقة إلى بذل جميع الجهود اللازمة لمنع أي محتوى مبتذل" وفق تقرير "رويترز". في هذا السياق، ذكرت "هيئة الاتصالات الباكستانية" أن الباب لم يُغلَق في وجه "تيك توك" بشكلٍ دائم، وإذا التزم التطبيق بمطالبها المرتبطة بحذف المحتويات غير اللائقة، فقد تسمح بإعادة تشغيله. إذا كانت الصين تحرص على المشاركة في "صراع العروش" هذا في باكستان لمصلحة خان والجيش، يمكنها أن تنفذ ما يريدونه كي تحتفظ بسطوتها على السلطة، أو قد تفضّل عدم الانصياع لهذا المطلب، ويتوقف قرارها النهائي على المحادثات الحتمية التي تجمع خان والجيش الباكستاني والصين وراء الكواليس وطبيعة التنازلات المتبادلة في نهاية المطاف.أخيراً، ربما يتمنى خان أن يُجرّد معسكر المعارضة من تطبيق شهير على مواقع التواصل الاجتماعي عبر حظر "تيك توك" لأن الاحتجاجات المنتشرة في أنحاء البلد ستبدأ هذا الشهر، لكن هذه الخطوة تحمل مجازفات كبرى أيضاً، لا سيما إذا لم يحصل خان منذ البداية على موافقة بكين.* أبهيجنان ريج