تهريب المخدرات في باكستان يُعرّض المنطقة للخطر
تعتبر منطقة أفغانستان وإيران وباكستان موقعاً أساسياً لإنتاج وتوزيع الأفيون والهيرويين، فخلال العقود القليلة الماضية، سهّلت الحروب والعمليات الإرهابية والتبدلات الحاصلة في المشهد السياسي تجارة الهيرويين في أنحاء المنطقة.بما أن باكستان تقع جغرافياً جوار أفغانستان، أكبر مُنتِجة أفيون في العالم، فلا مفر من أن يصبح البلد في طليعة الدول التي تُهرّب المخدرات، إذ لم توفر السلطات المحلية أي جهد لاستغلال موقع البلد الجغرافي لمصلحتها الخاصة، ويُستعمل المال المشتق من تجارة المخدرات لتمويل الجماعات الإرهابية العميلة لها، فقد اتّضح دور المخدرات في تمويل النشاطات الإرهابية بباكستان في إفادة الإرهابي ديفيد كولمان هيدلي من تنظيم «عسكر طيبة»، وهو أحد المتهّمين الأساسيين في اعتداءات مومباي في 26 نوفمبر 2008، الذي اعترف أثناء استجوابه في 2010 بدور وكالة تجسس باكستانية، وهي «دائرة الاستخبارات المشتركة»، كصلة وصل بين أباطرة المخدرات والإرهابيين وأداة لتسهيل نقل الأسلحة والمخدرات إلى الهند.يذكر «تقرير المخدرات العالمي» الصادر عن الأمم المتحدة في 2012 أن «باكستان تشكّل طريق عبور محوري لتهريب مخدرات بقيمة 30 مليار دولار من أفغانستان المجاورة»، وتدعم باكستان عودة حركة «طالبان» إلى السلطة في أفغانستان لأن جميع عصابات المخدرات ستعود إلى الواجهة حينها، وستكون باكستان المستفيدة الكبرى من الوضع وستحصل على أموال إضافية لدعم الجماعات الإرهابية التابعة لها. يتأكد دور باكستان في ترويج المخدرات عند النظر إلى عدد الباكستانيين المعتقلين في بلدان أخرى بتهمة تهريب المخدرات، فكان الباكستاني شهباز خان زعيم منظمة في أفغانستان وباكستان أنتجت ووزعت كميات هائلة من المخدرات حول العالم، واعتُقِل خان على يد السلطات الليبية في ديسمبر 2016 قبل ترحيله إلى الولايات المتحدة حيث حُكِم عليه بالسجن طوال 15 سنة في 2019 بتهمة التآمر ومحاولة استيراد الهيرويين إلى الولايات المتحدة، وفي مايو 2017، أوقف مسؤولون من قوة الحدود البريطانية رحلة للخطوط الجوية الباكستانية الدولية من إسلام آباد إلى مطار «هيثرو» في لندن، ثم أعلنت «الوكالة الوطنية للجريمة» إيجاد كمية من الهيرويين كانت مخبأة في أجزاء مختلفة من الطائرة، وفي مارس 2018 أُلقي القبض على عنصرَين من طاقم الطائرة وهما يهرّبان المخدرات على متن رحلة تابعة للخطوط الجوية الباكستانية الدولية كانت متجهة من إسلام آباد إلى باريس. في الفترة الأخيرة، تكثر التكهنات عن تدقيق السلطات القطرية بالخطوط الجوية الباكستانية الدولية بعدما اكتشفت حديثاً مخدرات يهرّبها مواطنون باكستانيون يأتون إلى الدوحة ويستفيدون من ميزة تأشيرة الدخول عند الوصول، ويفترض البعض أن المسؤولين القطريين يملكون صوراً وفيديوهات كإثبات على اعتقال مهرّبي مخدرات من باكستان، وإذا تأكدت صحة هذه الفرضيات فقد تُعلّق قطر تأشيرة الدخول عند الوصول للمواطنين الباكستانيين ما لم تتخذ باكستان الخطوات اللازمة لمنع تهريب المخدرات إلى قطر.
قد تؤدي مشكلة تهريب المخدرات إلى تغيير مسار العلاقات الثنائية التي تربط باكستان بالدول الأخرى وتشويه سمعتها دولياً، لذا لا بد من التساؤل عن السبب الذي يجعل باكستان تُعرّض علاقاتها مع الآخرين للخطر لمجرّد الاستفادة من قطاع المخدرات، ويبدو أن الأموال المشتقة من التهريب تخدم أجندة باكستان الكبرى التي تقضي بتمويل الجماعات الإرهابية التابعة لها، ومن المقرر أن تُعقَد جلسة عامة لـ«مجموعة العمل المالي» التي تجمع بين حكومات عدة في وقتٍ لاحق من هذا الشهر، ومن المتوقع أن يتم التطرق إلى دور باكستان في تمويل المنظمات الإرهابية من خلال تهريب المخدرات في خضم النقاشات حول تصنيف البلد، فإذا لم تشأ باكستان أن توضع على اللائحة السوداء، فيجب أن تتخذ الخطوات اللازمة لمنع ترويج المخدرات لأن أي تصنيف سيئ من «مجموعة العمل المالي» قد يدمّر الاقتصاد الضعيف أصلاً في باكستان.* حبيبة أشنا مرهون