حينما كنت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كنت منتمياً بشكل عفوي إلى تنظيمٍ عدد أعضائه عشرات الملايين، بل مئات الملايين من العرب، الذين يشكلون الغالبية العظمى، وكانت أهداف ذلك التنظيم تتلخص في التحرر من الاستعمار، والقضاء على الجهل والتخلف والاستبداد، وما هي إلا سنوات قليلة على انطلاق دعوة ذلك التنظيم العفوي إلى وحدة العرب حتى تحققت إنجازات مهولة، تلبية لنداء رئيس التنظيم، فبعد الانتصار على عدوان ثلاثي بريطاني فرنسي صهيوني على مصر عام 1956 تحقق التالي:• وحدة اندماجية بين مصر وسورية.
• اندلاع ثورة في العراق.• ثار الشعب اللبناني على أساطيل الاستعمار.• اندلاع ثورة في اليمن.• قامت منظمة التحرير الفلسطينية.• حققت الجزائر النصر وتحررت من الاستعمار البغيض.• اندلعت ثورة في ليبيا.• وأصبح وطني العربي مركزاً لثورات تحرر الشعوب في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية... وكانت القاهرة قبلة الثوار الأحرار في العالم.***• لكن رئيس التنظيم، الذي كان ثائراً، أراد أن يجمع بين الزعامة الثورية والزعامة السياسية، وهنا بدأ العد التنازلي الثوري لحساب التوجهات السياسية... وهذا ما حدث يوم أن دعا الثائر القادة إلى مؤتمر قمة يجمعهم، ظاناً أنه يحقق الأهداف الثورية التي كان يدعو إليها، وكان بعضهم سبباً من أسباب معوقات هذه المبادئ الثورية، لكن القائد الثوري كان محسناً الظن في بعضهم، واستمرت مؤتمرات القمة، واستمرت معها التنازلات، بل إن أشرطة ما كان يدور في تلك المؤتمرات كانت تصل إلى الكيان الصهيوني عقب انتهاء أي مؤتمر بسويعات قليلة.***• فإذا بقائد التنظيم والبطل المحبوب والثائر، الذي كان يلقي خطبه على من انضووا تحت قيادته برغبتهم وحبهم، ولأنها كانت تحقق لهم طموحهم الكبير في وحدتهم العربية، قد كبّل نفسه بشروط مع الذين يجتمع بهم، منها أن تكف أجهزته الإعلامية الثورية عن التعرض لسياساتهم، فقطع على نفسه خطوط الرجعة، مما أتاح المجال للتنازلات والإخفاقات والتراجعات الثورية:• انفصلت الوحدة المصرية - السورية.• دبت الخلافات بين الثوار العراقيين ليصل العراق إلى ما وصل إليه.• نشبت الحرب بين اليمنيين مما اقتضى منه التدخل ليجعل من أرض اليمن مقبرة لخيرة رجال الجيش المصري... وتتالت الهزائم تلو الهزائم، ثم جاءت الضربة القاضية بعد أن ضعفت كل مقوماتنا الثورية، لتأتي سنة 1967 وتعم الوطن العربي كله خسائر وهزائم متتالية لم نزل ندفع ثمنها حتى الساعة.***• لماذا هذه الذكريات المؤلمة؟! لكي أقول: نحن أبناء جيل الخمسينيات والستينيات كم نعتصر ألماً ونحن نرى آثار ما جئت عليه في سطوري الأولى، كيف أوصلتنا إلى مراحل التطبيع مع أعداء الله وأعداء الإنسانية.وحسبما ورد من كلمات أخيرة ترددت على لسان أمير الكويت الراحل: "لن أواجه ربي بقبول أي صلح مع الصهاينة"... لعل هذه الكلمات ستكون نبراساً لمن يهتدي به من أبناء العروبة من شباب الزمن الراهن، ممن لا يساومون على مبادئهم الوطنية، ويعودون بنا إلى ذلك الزمن الصادق والجميل، ويعيدون تنظيماً كان يطمح إليه أجدادهم، على أن يتم بشكل مدروس، وألا يقعوا ضحايا لحسن النوايا والارتجال والعاطفة... وهم يرون النتائج التي وصلت إليها أحوال أمتهم.
أخر كلام
هل وصلنا إلى مرحلة التطبيع؟!
13-10-2020