انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل
في قاعة واحدة دون تبادل مباشر للحديث
انطلقت قبل ظهر الأربعاء في مقر لقوة الأمم المتحدة في جنوب لبنان وبرعاية واشنطن الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي سرّعها احتمال احتواء الرقعة المتنازع عليها على نفط أو غاز.وأعلن لبنان واسرائيل بداية الشهر الحالي التوصل الى تفاهم حول بدء مفاوضات برعاية الأمم المتحدة في مقرها في مدينة الناقورة الحدودية، في خطوة وصفتها واشنطن بأنها «تاريخية» بين دولتين في حالة حرب.وتأتي المفاوضات بعد أسابيع من إعلان كل من الإمارات والبحرين اتفاقي تطبيع مع إسرائيل برعاية أميركية، ما دفع مراقبون إلى التوقّف عند «توقيت» إعلان بدء المحادثات بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل موعد الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل.
وقال مصدر في الأمم المتحدة لوكالة فرانس برس عند الساعة العاشرة والنصف (7:30 ت غ) «نعم لقد بدأت» المفاوضات من دون أن يذكر أي تفاصيل إضافية.وأكدت الوكالة الوطنية للإعلام انطلاق «الجولة الأولى من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية»، موضحة أنّ «الوفد اللبناني وصل على متن ثلاث مروحيات إلى الناقورة».وفرض الجيش اللبناني وقوات يونيفيل اجراءات أمنية مشدّدة في المنطقة، تزامناً مع تحليق مروحيات تابعة للقوة الدولية في الأجواء، وفق ما أفاد مصور وكالة فرانس برس، وقطع الجيش الطريق المؤدية إلى النقطة الحدودية، حيث يُعقد الاجتماع، مانعاً اقتراب الصحافيين منها.ومن المفترض أن يجلس وفدا الطرفين في القاعة ذاتها من دون أن يتبادلا الحديث مباشرة بل عبر ممثل للأمم المتحدة، وفق مسؤولين لبنانيين، وبحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، ميسّر الجلسة الافتتاحية، على أن يضطلع السفير الأميركي جون ديروشيه بدور الوسيط في المفاوضات.ووصفت إسرائيل المفاوضات، التي تتعلق بمساحة تمتد لنحو 860 كلم مربع، بـ «المباشرة» وهو ما يصر لبنان على نفيه، مؤكداً الطابع «التقني» للمحادثات.ويضم الوفد اللبناني أربعة أعضاء، عسكريان ومدنيان، هم العميد بسام ياسين والعقيد الركن مازن بصبوص والخبير التقني نجيب مسيحي وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط.في المقابل، يضم الوفد الإسرائيلي ستة أعضاء بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية في الجيش.وأثارت تسمية إسرائيل لسياسيين ضمن وفدها جدلاً في لبنان، الذي يصر على طابع التفاوض التقني، على غرار محادثات سابقة جرت في اطار لجنة تفاهم نيسان إثر عملية «عناقيد الغضب» الإسرائيلية في 1996، أو مفاوضات ترسيم الخط الأزرق بعد انسحاب الإسرائيلي في 2000، وأخيراً الاجتماع الثلاثي الذي يعقد دورياً منذ حرب 2006 برئاسة قوات يونيفيل وبمشاركة عسكريين من الدولتين.واستبق حزب الله وحركة أمل انطلاق التفاوض بالمطالبة بـ «إعادة تشكيل الوفد اللبناني بما ينسجم مع اتفاق الاطار»، معترضين على ضمّه «شخصيات مدنية»، وأكدا في بيان بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء «رفضهما الانجرار إلى ما يريده العدو الاسرائيلي من خلال تشكيلته لوفده المفاوض»، معتبرين أنّ في ذلك «تسليماً بالمنطق الإسرائيلي الذي يريد أي شكل من أشكال التطبيع». وجاء موقف الحزبين الشيعيين غداة تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون الثلاثاء أنّ «المفاوضات تقنية والبحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديداً».وفي إسرائيل، قال مصدر في وزارة الطاقة لصحافيين إن الأمر «مهم لإسرائيل لكنه أيضاً حاسم بالنسبة للجانب اللبناني»، مشيراً إلى أن الأمر قد يحتاج بضعة أشهر فقط إذا لم يكن هناك عوائق.وأوضح أنّ «هدفنا أن نحل النزاع حول ترسيم الخط البحري»، مضيفاً «لا أوهام لدينا، ليس هدفنا أن نخلق نوعاً من التطبيع أو عملية سلام».وقادت واشنطن على مدى سنوات وساطة بين الجانبين، تكثفت مع توقيع لبنان العام 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين في مياهه الإقليمية، إحداها تقع في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل.ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان أنّه «ليس أمام لبنان خيار أفضل ليتمكن من العمل في البلوك رقم 9».وأمل رئيس البرلمان نبيه بري الذي كان مكلفاً بالملف، أنه في حال نجح الترسيم أن يكون هناك «اكتشافات» في المنطقة المتنازع عليها لتساعد «في سداد ديننا».وأثار إعلان بري «اتفاق الإطار» حول المفاوضات، انتقادات في لبنان خصوصاً لحزب الله، الذي يعد الخصم اللدود لإسرائيل وطالما اعتبر واشنطن وسيطاً «غير نزيه».واعتبرت صحيفة الأخبار، المقربة من حزب الله، الإثنين في ملف خصّصته للمفاوضات أنّ «قرار التفاوض غير المباشر مع العدو يمثل لحظة ضعف سياسية لبنانية غير مسبوقة»، ورأت أن إسرائيل تبدو «المستفيدة» إذ أن حاجتها «إلى إطلاق آلية تفاوض مباشر أو غير مباشر مع بلد مثل لبنان، يمثل انتصاراً للعدو بمعزل عن نتائجه».وعنونت صفحتها الأولى الأربعاء «مفاوضات بلا شرعية».وكان حزب الله، الذي ترى فيه واشنطن ذراعاً لإيران وتصنفه «إرهابياً»، حرص في وقت سابق عبر كتلته النيابية على التأكيد ألا علاقة للمفاوضات بـ «المصالحة» أو «بسياسات التطبيع».ولطالما أصر لبنان سابقاً على ربط ترسيم الحدود البحرية بتلك البرية، لكن المفاوضات ستتركز فقط على الحدود البحرية، على أن يُناقش ترسيم الحدود البرية، وفق الأمم المتحدة، في إطار الاجتماع الثلاثي الدوري.ويعتبر خشان أن موضوع ترسيم الحدود البحرية سهل أمام تلك البرية.ويوضح «إذا جرى الاتفاق على الحدود البرية سيثير ذلك تساؤلاً حول الحاجة إلى سلاح حزب الله، كونه لا يزال يؤكد على ضرورته لاستعادة الجزء المحتل من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا».ويضيف «حزب الله لن يقبل التخلي عن السلاح».