خطة «بريكست» لم تعد تعطي بوريس جونسون الأمان السياسي!
يخشى حزب المحافظين البريطاني أحياناً أن يخسر السلطة لكنه لا يشكك مطلقاً بحقه في الوجود داخل الحكومة، فهو يستمد قوته من الفرضية القائلة إن الفريق الذي ينتمي إليه يعكس الحالة الطبيعية التي تشتق منها الأحزاب الأخرى.يُعتبر بوريس جونسون تجسيداً حياً لهذه القناعة، فقد ألمح خلال مؤتمر افتراضي حديث إلى غياب تقدير الناس، واستعمل شفاءه من فيروس "كوفيد19" كاستعارة للتكلم عن التجدد الوطني بعد فترة الوباء، وأنكر الادعاءات القائلة إنه تحمّل الضعف الجسدي والسياسي معاً، لكنّ الزعيم الذي يستطيع التأثير على الناس ليس مضطراً لإعلان هذا الموقف صراحةً.لا يريد جونسون أن يكون رئيس الوزراء الذي كسر وحدة بلده لكنه لا يعرف ما يجب فعله لتبديد هذا التهديد، ولو كان يعرف الحل، لما دعّم مشروع قانون السوق الداخلي ببنود تصبّ في مصلحة القوميين، إذ تستعمل مسودة القانون ميزة استرجاع الصلاحيات التنظيمية من بروكسل كتغطية لأجندة بريطانية تهدف إلى بناء دولة حقيقية: هي تُصوّر خطة "بريكست" وكأنها أداة للتصدي لمحاولات نقل الصلاحيات إلى أدنى المراتب.
يبرز مطلب قانوني أساسي للتنسيق بين قواعد السوق البريطاني خارج الاتحاد الأوروبي، لكنّ تنفيذ هذا المطلب بطريقة تعزز اتهامات "الحزب القومي الاسكتلندي" حول التفوق الإنكليزي غير المنصف قبل أشهر من الانتخابات الاسكتلندية سيعكس قلة كفاءة كبرى.ومع ذلك، يظن عدد كبير من أعضاء حزب المحافظين أن هذا التوجه عبقري. وفق هذه النظرية، يُفترض أن تُستعمل صلاحيات الإنفاق المركزية الجديدة لإثبات قيمة الوحدة، وكأن رفع شعار "صُنِع في المملكة المتحدة" سيكون كافياً كي يدرك الناخبون المؤيدون للاستقلال حقيقة الوضع. يمكن اعتبار تلك الاستراتيجية سخيفة في أفضل الأحوال لأنها قد تعطي نتائج عكسية هائلة حين تتسلل الخطة الترويجية إلى مشروع القانون الذي يستعمله جونسون للتنصل من اتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى تسميم المفاوضات مع بروكسل في نهاية المطاف. يوضح هذا التوجه على نحو مثالي مدى ازدراء حزب المحافظين باستقلالية اسكتلندا من الناحية القانونية وبالمعسكر المؤيد للتقرب من الاتحاد الأوروبي.يقول الوزراء المحافظون بكل جدّية إن خطة "بريكست" تقوي وحدة البلد، لكنهم لا يستطيعون الاعتراف بكامل الحقيقة، إذ تتعلق واحدة من أفضل الأفكار المستعملة لمعارضة استقلال اسكتلندا باعتبار هذه الخطوة أكثر صعوبة ومرارة وأعلى كلفة من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، فقد شكّلت السنوات الأربع الماضية تحذيراً مريعاً ضد هذا النوع من المواقف الجنونية. لا يتماشى هذا الموقف مع حزبٍ لا يجد مشكلة في تدمير أي اتحاد بطريقة متهورة طالما يحمل ذلك الاتحاد طابعاً أوروبياً.بالكاد ذكر جونسون خطة "بريكست" في خطابه الأخير، فلا يزال هذا الموضوع مُلحّاً في بريطانيا لكنه لم يعد يضمن له الأمان السياسي، حيث إن جونسون لم يستطع أن يتكلم كثيراً عن طريقة تعامله مع فيروس كورونا أيضاً بل اعتبر الوباء مجرّد مسألة مملة ومُتعِبة وتعهّد بانتهائه يوماً، فهو يريد تسريع الزمن لتجاوز المشاكل الصعبة في الوقت الراهن والتركيز على المستقبل القريب، مما يعني معالجة المشاكل التي لا يتحمل مسؤوليتها عبر مسار غامض يحصد الإشادة عليه.لا تعكس هذه المواقف جزءاً غريباً من شخصية رئيس الوزراء النرجسية فحسب، بل إنه استلم هذا المنصب بفضل ثقة حزب المحافظين الاستثنائية بالمؤسسات، أي اقتناع هذا الفريق السياسي بأنه يستحق السلطة. تبقى هذه القناعة مصدر قوة هائلة إلى أن تصبح نقطة ضعف تعوق مسار الحزب في مرحلة معينة كونها تعزز مشاعر التعطش إلى السلطة التي تضمن الفوز في الانتخابات وتغذي الفوقية التي تُمهد لخسارتها. هذه هي دورة الحياة الطبيعية في حكومات حزب المحافظين ومن الواضح أن جونسون يطبّقها بسرعة فائقة. * «رافاييل بير»