تجاهل الأميركيون أجواء الفوضى والتحذيرات المتتابعة من عمليات تزوير واسعة النطاق، وواصلوا إقبالهم غير المسبوق على التصويت عبر البريد، الذي فرض نفسه على الصراع المحموم بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وخصمه الديمقراطي جو بايدن في 3 نوفمبر.ورغم عقبات ومشاكل من بينها حمل عشرات الآلاف من البطاقات في ولايتي أوهايو ونيويورك أسماء خاطئة لمرشحين أو ناخبين وإلقاء أخرى في المهملات وإطلاق عشرات الدعاوى في القضاء، لا يزال نطاق التصويت بالمراسلة يتسع بسبب المخاوف من تفشي وباء كوفيد - 19 قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات.
ووفق بيانات مشروع الانتخابات في جامعة فلوريدا، حطم التصويت المبكر الأرقام القياسية في أنحاء الولايات المتحدة، مع تصويت أكثر 12 مليون فعلياً، وإرسال أو طلب نحو 75 مليون بطاقة تصويت بالبريد حتى الآن، أي أكثر من ضعف عددها، الذي بلغ 33 مليوناً في 2016.ولا يكف ترامب عن التحذير من أن إرسال بطاقات التصويت بالبريد سيؤدي إلى «عمليات تزوير حجمها غير مسبوق». وكتب، في تغريدة يوم الجمعة، «خارجة عن السيطرة. انتخابات مزورة»، بعدما قرأ أن بطاقات سيئة أرسلت إلى 50 ألفاً من سكان مدينة كولومبوس في أوهايو الولاية الأساسية له إذا كان يريد البقاء في البيت الأبيض.وأكد العديد من الخبراء أن الأمور تسير بشكل عادل حتى الآن، والتصويت بالمراسلة برهن على أمانته في النظام الانتخابي الأميركي منذ سنوات.واعترف الخبير في السياسة في مركز «أميريكان إنتربرايز إينستيتيوت» كيفن كوسار بأن «أخطاء التنفيذ لا يمكن تجنبها طوال العملية»، مبيناً أن «النبأ السار هو أن هذه الأخطاء يتم كشفها بسرعة».
قلق ومشاكل
لكن المشاكل من التأخر في طباعة وإرسال البطاقات إلى الأخطاء في الوجهات وشهادات كثيرين قالوا إنهم تسلموا أكثر من بطاقة واحدة، أثارت شكوكاً في النظام.وتزايد القلق مع تجرية الانتخابات التمهيدية، التي جرى بعضها في أجواء من الفوضى قبل ذلك هذه السنة، خصوصاً في ولايتي نيويورك وويسكونسن.وفي هاتين الولايتين لم يتلق عشرات الناخبين البطاقات الثمينة أو تأخرت في الوصول ما منعهم من التصويت. من جهة أخرى، لم تضع خدمات البريد الأختام التي تثبت صلاحية البطاقات على الكثير منها.وحذرت المسؤولة في مركز «ناشونال فوت آت هوم إينستيتيوت» أمبر ماكرينولدز من أن حجم الأخطاء مبالغ فيه بسبب «الحساسية الكبيرة» لانتخابات 2020، موضحة أن «هذه الأخطاء لم تحدث على نطاق واسع والانتخابات المثالية لا وجود لها».وقالت: «أعتقد أن هناك مزيداً من المشاكل مع التصويت الشخصي»، مشيرة إلى صفوف الانتظار الطويلة أمام مراكز التصويت وتعطل الأجهزة الذي يشكل مصدر قلق في كل الانتخابات.ووسط توقعات بحدوث مشاكل أخرى في 3 نوفمبر، ذكرت ماكرينولدز أن ثلاث ولايات أساسية يمكن أن تحسم نتيجة الاقتراع، هي ويسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان، لم تحدد وقتاً كافياً لمهام عليها القيام بها من فرز الأصوات والتدقيق في ملايين بطاقات التصويت بالمراسلة واحتسابها.أما كوسار فيشعر بالقلق من مئات الدعاوى التي يمكن أن ترفع في القضاء. فقد حاول حلفاء الجمهوري دونالد ترامب الحد من إمكانيات التصويت بالمراسلة، إذ إن الدراسات كشفت أن طريقة التصويت هذه يميل إليها الديمقراطيون أكثر من الجمهوريين.وفي كارولاينا الجنوبية، حصل قانونيون جمهوريون على قرار من قاض ينص على أن يكون ظرف بطاقة التصويت موقعاً من قبل شهود إلى جانب الناخب. وأخيراً، يمكن أن تصبح مسألة البطاقات غير الصالحة أساسية.وشهدت انتخابات 2000 التباساً كبيراً في ولاية فلوريدا وحسمت المحكمة العليا في نهاية المطاف النتيجة لمصلحة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن على حساب منافسه الديمقراطي آل غور، حيث رفض القضاة إعادة التعداد، ما سمح للأول بأن يبقى متقدماً.جولات ترامب
على الأرض، واصل ترامب عقد مؤتمرات انتخابية عاصفة في ولايات رئيسية يشير جدولها إلى أن حملته مهتمة بحشد قاعدته المحافظة بدلاً من التواصل مع الناخبين المترددين الذين يعيش كثير منهم في الضواحي.وبعد فلوريدا، أعلن ترامب أمام حشد من أنصاره في بنسلفانيا أنه يحارب «ماركسيين» و«مجانين». ولم يوفر أي مبالغة صارخة في ترسانته بشأن الديمقراطيين أو إهانة للحالة العقلية لمنافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي وصفه بأنه كان «يختنق مثل كلب» خلال المناظرة التلفزيونية وبأنه «مستنفد» عقلياً ويحركه الشيوعيون.وذهب ترامب البالغ 74 عاماً، إلى حد اعتبار بايدن البالغ 77 عاماً، أضعف من أن يتولى الرئاسة، ونشر تغريدة لصورة متلاعب بها تظهره جالساً على كرسي متحرك بين عدد من المسنين في غرفة. وجاء في تعليقها: «بايدن رئيساً» وأزيل حرف من كلمة رئيس (بريزيدنت) لتصبح «نزيل» (ريزيدنت).والصورة، التي تسخر من المسنين العجزة، فاجأت إلى حد ما نظرا لمشكلات ترامب المتزايدة في الحفاظ على ولاء كبار السن الذين يمثلون قوة انتخابية مهمة.في جونستاون، استعاد ترامب صورة المرشح الدخيل التي طورها لتحقيق فوزه المفاجئ عام 2016، معلناً أمام الحشد إنه يحارب «طبقة سياسية أنانية وفاسدة» في واشنطن.لكن حتى مع إسعاده الجمهور بخطابه، أظهر مرة أخرى أنه وعلى الرغم من تراجع شعبيته لا يعتزم السعي لمد اليد للديمقراطيين في أمة منقسمة بشدة. وقال: «سينتهي الأمر كنسخة أكبر حجماً من فنزويلا إذا فازوا». وقبل ساعات على حملة ترامب في بنسلفانيا، عاد بايدن لفلوريدا، التي يقاتل بشراسة من أجل الحصول على أصواتها، ليحذر حشداً من كبار السن أمس الأول، من خصمه الجمهوري الذي يعتبرهم «عبئاً» و«يمكن نسيانهم»، مؤكداً أنه «رفض بتهور الخطر الذي شكله الفيروس للسكان وطريقة إدارته للجائحة فوضوية، مثلما هي حال ولايته الرئاسية».بدوره، نشر الرئيس السابق باراك أوباما، الذي مازال يحظى بشعبية كبيرة لدى الديمقراطيين، تسجيلات فيديو حضّ فيها 24 ولاية مفصلية بما فيها ويسكونسن وبنسلفانيا وأوهايو وفلوريدا،على تنظيم الصفوف والتصويت بكثافة لبايدن.