تكاتفت أغنى دول العالم لتجديد مبادرة تخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر فقراً في العالم حتى منتصف العام المقبل على الأقل، بيد أن الصين تمثل الرقم الأصعب في المعادلة.

وبينما نجحت مجموعة الدول العشرين في تمديد خطة الديون لنحو 6 أشهر، كان هناك خيبة أمل شديدة لأنها لم ترقَ لطلبات تمديدها حتى نهاية 2021 خصوصاً مع تداعيات الوباء التي أدت لزيادة مستويات الفقر، إضافة إلى الفشل في وضع خطة شاملة للدائنين من القطاع الخاص.

Ad

توسيع خطة الديون

ويوجد العديد من الدعوات الرامية إلى توسيع نطاق هذه المبادرة لتشمل صناديق التحوط والصين بشكل خاص، كمحاولة لخفض مخاطر الديون بشكل واضح، إذ يقول رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس: «من الضروري تحقيق تقدم سريع في إطار العمل هذا لأن مخاطر التخلف عن سداد الديون آخذة في الزيادة».

ويضيف أن الصين تسيطر وحدها على نحو 63 في المئة من الديون الثنائية التي من المقرر أن تسددها أفقر دول العالم هذا العام، من مبلغ قدره 178 مليار دولار لكل الدائنين الثنائيين الرسميين.

واتفق في الرأي مع مالباس وزير المالية الألماني أولاف شولتز، إذ حيث قال إن «الصين يجب أن تكون جزءاً من الحل»، كما أن مسؤولين من كينيا وكوستاريكا أشارا إلى أن دولاً مثل الصين وروسيا يجب أن تقدم المزيد من المساعدة.

وبعد تسريع وتيرة القروض الممنوحة من جانب الصين للدول الفقيرة، ومع تحكمها في معظم ديون الدول الأكثر فقراً، تواجه بكين اتهامات بمحاولة التلاعب في مطالب تأجيل سداد الديون، الأمر الذي يثير مخاوف وحنق العالم.

وفي محاولة لرسم صورة إيجابية، نفت وزارة الخارجية الصينية مراراً هذه المزاعم مع التأكيد على أن بكين لا تضغط أبداً لسداد ديونها، كما أنها تسعى لإيجاد حلول مناسبة من خلال مناقشات مفيدة تماشياً مع اتجاه المجتمع الدولي.

وفي الحقيقة، منذ دعوة بعض الدول والمنظمات الدولية لبرامج تخفيف عبء الديون عن الدول الإفريقية، أبدت الصين رغبة محدودة في إمكانية المفاوضات الثنائية مع الشركاء المثقلين بالديون.

وكانت الحكومة والبنوك والشركات في الصين قدموا قروضاً بنحو 143 مليار دولار للدول الإفريقية في الفترة بين عامي 2000 و2017، أغلبها لتمويل مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، بحسب بيانات جامعة «جونز هوبكينز».

في الواقع، ستكون العواقب وخيمة على بعض الدول، إذ حذر صندوق النقد الدولي من أن الدول الإفريقية تواجه فجوة تمويلية قدرها 345 مليار دولار حتى عام 2023 مع اضطرار البعض للاختيار بين خدمة الديون أو الإنفاق على البرامج الاجتماعية والصحية.

وطبقاً لحملة تخفيف أعباء الدين «اليوبيل»، فإن أفقر 76 دولة حول العالم ستنفق 18 مليار دولار هذا العام على سداد ديونها للحكومات الأخرى و12 مليار دولار لسداد التزاماتها لصالح المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و10 مليارات دولار أخرى لمقرضي القطاع الخاص مثل البنوك وصناديق التحوط.

ومن جانبها، قالت أوديل رينو باسو، التي ترأس نادي باريس للدائنين الرسميين أمام لجنة مبادرة تخفيف الديون: «السؤال هو؛ ما التالي؟»، موضحة أن بعض البلدان التي كانت لديها مستويات ديون لا يمكن تحملها قبل الوباء ستحتاج على الأرجح إلى تخفيف أعمق للديون يخفض مستوى الدين الإجمالي، وهي خطوة تتطلب مشاركة الصين ودول أخرى من غير أعضاء نادي باريس وكذلك من القطاع الخاص.

فخ الديون

تعرضت الصين طوال السنوات الماضية لاتهامات تتعلق بما أطلق عليه البعض «فخ الديون». ويرى بعض المتابعين أن الصين تهدف على المدى الطويل لإيقاع الدول الإفريقية في مأزق عدم القدرة على الوفاء بالديون ومن ثم الاستفادة بهذه الذريعة للحصول على الموارد أو السلع أو الأصول الرئيسية. لكن البيانات التي توفرها مجموعة الأبحاث الاقتصادية والسياسية «رهوديوم غروب» تشير إلى أن الصين تعيد التفاوض بشأن التزامات الديون، مع حقيقة الموافقة في بعض الحالات على تأجيل المواعيد النهائية للسداد مع البلدان المثقلة بالديون.

ووفقاً للتقرير، انخرطت الصين في عمليات إعادة التفاوض الثنائية بشأن الديون مع 18 دولة على مستوى العالم هذا العام، نصفها تقريباً دول إفريقية، ليكون إجمالي القروض المحتمل إعادة هيكلتها نحو 28 مليار دولار.

وتمكنت أنغاولا من تأجيل مدفوعات أصل قرضها البالغ 6.2 مليارات دولار لنحو ثلاثة أعوام، مع العلم أنه لا تزال هناك 12 دولة أخرى تجري محادثات مع بكين حتى نهاية سبتمبر الماضي، من بينها: زامبيا (4.4 مليارات دولار) وجيبوتي (0.4 مليار دولار) وموزمبيق وكينيا وتنزانيا.

نموذج زامبيا

وهنا تبرز زامبيا كأحد الأمثلة على البلدان التي تكافح لإعادة هيكلة ديونها الخارجية البالغة 11 مليار دولار، وسط العواقب الصحية والاقتصادية التي خلفها وباء «كورونا». وفي حين حصلت زامبيا على إعفاء من بعض دائنيها الثنائيين بموجب مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الديون، والتي تصل لنحو أربع سنوات للسداد وتأجيل المتأخرات، لكنها تكافح من أجل إبرام اتفاق مع الدائنين الصينيين الذين يشكلون معاً حوالي ثلث إجمالي ديونها. وتشارك الحكومة الصينية في مبادرة تخفيف الديون بشكل رسمي، لكن بعض المقرضين الصينيين قالوا إنهم لن يوافقوا على المشاركة ما لم تتم تسوية حصتهم البالغة 200 مليون دولار من المتأخرات أولاً، طبقاً لما قالته وزارة المالية في زامبيا.

وإضافة إلى السعي للحصول على صفقات لتأجيل سداد المتأخرات، تريد زامبيا من المقرضين الصينيين تعليق أو إعادة جدولة 225 مليون دولار أخرى من المدفوعات من إجمالي 426 مليون دولار مستحقة هذا العام.

ورغم الجهود العالمية لتخفيف معاناة الدول الفقيرة، فإن الصين بصفة خاصة قد تكون جزءًا رئيسياً من الحل أو المشكلة.