كتاب «تنظيمات المجتمع المدني في الكويت» الذي أراد أن يطل به د. عبدالرضا أسيري على الرأي العام بعد تقاعده من جامعة الكويت، جاء ضمن مجموعة من الإصدارات والكتب التي أنتجها، خصوصا كتابيه "النظام السياسي في الكويت" و"سياسة الكويت الخارجية".عشرة فصول تضمنها الكتاب، وأحاطت بالفكرة من مختلف الجوانب، وأعطتها بعدا فلسفيا وعربيا وعالميا، بحيث طرق المفهوم والتطور التاريخي، وفي كل فصل التزم بوضع مقدمة، وأتبعها بأبحاث، ثم الخلاصة والهوامش، وهو عمل أكاديمي تمرس به وسار عليه في سيرته الجامعية.
الدائرة الخليجية
يتضمن الكتاب 4 فصول عن المجتمع المدني العالمي والعربي والخليجي، إضافة إلى نشأة المفهوم وتطوره، أما الفصول الستة الباقية فتناولت المجتمع المدني في الكويت والدور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والخارجي.وقبل الدخول إلى دائرة الكويت، خلص د. أسيري إلى جملة استنتاجات حول المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي، منها أنه مازال غير مستقر على نحو كبير، ويواجه تحديات كبيرة وقيودا تحد من أدواره الطبيعية بالرقابة على النشاط الحكومي وفي ظل قوانين مشددة لا تسمح بذلك، وتأثيره مازال محدودا بخلاف المنظمات الخيرية، وقد تعود تلك الأسباب كما أكدتها الدراسات التي استعان بها إلى هيمنة الدولة.خريطة المجتمع المدني
في الكويت تتسم خريطة المجتمع المدني بالتنوع بين جمعيات نفع عام، وجمعيات خيرية ومبرات خاصة، وجمعيات تعاونية وأندية رياضية وغيرها، وهذا أسهم في خلق حالة من الثراء.ثم رسم صورة عامة لطبيعة هذا المجتمع ونشأته المبكرة مقارنة بباقي دول المنطقة، مع محاولة الربط بين القيم الاجتماعية والدينية السائدة، كيف عززت من ظهور منظمات المجتمع المدني، وتوقف عند الإطار الدستوري والقانوني الذي ينظم عمل المجتمع المدني. وأورد في هذا الفصل قوائم الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وافقت عليها الكويت وجدولاً بأنماط منظمات المجتمع المدني وأعدادها، والتي بلغت 462 جمعية ومبرة ونادي فرق تطوعية، وكذلك أسماء جمعيات النفع العام وتواريخ الإشهار وقيمة الإعانة الحكومية وأسماء المبرات الخيرية والجمعيات الخيرية.منطقة حرة
وتناول د. أسيري في المبحث الرابع، وبالفصل الخاص بالكويت، العلاقة بين المجتمع المدني وبرامج الحكومة، لافتا إلى أن التوجه الحالي هو الشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني في كل المجالات، والتي قد تتعزز بالمبادرة التي تدعو إلى تحديد "منطقة حرة للمنظمات العالمية غير الحكومية" في الكويت، بحيث يتم توفير كل أنواع الدعم اللوجستي والمالي لها لإقامة فروع على أرض الكويت. وبحسب قراءة د. أسيري، فقد تمكنت منظمات المجتمع المدني من القيام بدور مهم في مجال الإصلاح السياسي، سواء ما تعلق بتمكين المرأة الكويتية من الحصول على حقوقها السياسية أو بإيجاد آليات مهمة لتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، ومن التحديات التي تواجه هذا الدور عدم إشهار الأحزاب السياسية، وعدم منح تراخيص لمنظمات سياسية تعنى بحقوق الإنسان، وعدم تبني آلية مراقبة للانتخابات من قبل المجتمع المدني بصورة دائمة.5 عوائق
وفي خاتمة الكتاب، طرح د. أسيري السؤال التالي: ما مستقبل منظمات المجتمع المدني في الكويت؟ بعد أن حدد المؤلف خمسة عوائق تضعف من قدراتها على التأثير، وهي الاعتبارات التنظيمية والمالية والإدارية والإجرائية، وكذلك التنسيق والتشبيك، وأخيرا ضعف المشاركة.7 مقترحات
أما الآليات المقترحة التي قدمها لتفعيل هذا الدور فكانت على النحو التالي: أولا: الحاجة إلى تنظيم أوضاع الجمعيات التي تمارس أدواراً سياسية. ثانيا: إيجاد آلية لتنظيم العمل الخيري في الكويت من خلال إنشاء "مرصد العمل الخيري الكويتي"، الذي يهدف لبناء نظام معلومات ديناميكي وشرح مطول بكيفية تحقيق الأهداف. ثالثا: دعوة الحكومة لتشكيل لجنة للتقييم والمتابعة. رابعا: تقديم التدريب الكافي لمنظمات المجتمع المدني لتقديم خدمات من شأنها زيادة مصادر تمويلها الذاتي. خامسا: الاهتمام بالجمعيات المعنية بقضايا البيئة وتوفير التدريب لها. سادسا: السماح لمنظمات المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات النيابية من خلال إنشاء هيئة عليا للبنتخابات. سابعا: تطوير آليات مؤشرات لقياس فاعلية الدور وتحقيق الأهداف. وقدم د. أسيري كتابا مرجعيا وموثقا عن المجتمع المدني، وفيه خلاصات واستنتاجات وافية تعطي القارئ المختص "زبدة" الكلام والبحث، ربما كانت الآليات المقترحة السبع جديرة بالتقدير، نظرا لما تحمله من نقاط محددة تشكل مرتكزا لمستقبل المجتمع المدني في الكويت.