«كورونا» كشف الأقنعة!
ثمة أوقات تعصف بنا وتقلب كياننا رأسا على عقب، نضرب فيها كفينا تحسرا على ما آلت إليه حالنا، نتذمر، وساعات كثيرة نتأفأف بتهكم غير مدركين ما يدور خلف الكواليس، تلك الأقدار من حكم ونعم نجهلها تماما، وبعد مرور تلك العاصفة الغابرة نرى يقينا ما كان مخبأ وراء زوبعة كل عسير أصابنا، لندرك حتما أنه ما من بلاء إلا ومعه مئة نعمة!ورغم كل تلك النقم التي جرتها إلينا جائحة كورونا المستطيرة، وكل قصص الألم والفقد التي رافقتها، نجد بالمقابل أن كفة النعم توازيها ثقلا، والتي دائما تأخذ وقتا طويلا لاستيعابها، ذلك أن المرء يدرك المصائب أسرع من النعم التي هو مغدق بها أصلا. ومن أهم النعم التي استشعرتها شخصيا أننا وفي أثناء انشغالنا لشراء كل أنواع المطهرات والمنظفات التي باتت شرطا وحيدا للوقاية من دوامة هذا الفيروس الغامض، التهينا عن حقيقة أن كورونا هو المطهر الأساسي لكل زائف ولا إنساني، أسقطت معه أقنعة كل من توارت حقيقته خلفها وقت الرخاء، وكما قيل: تظهر معادن الناس وقت الشدائد.
طفحت دناءة النفوس البشرية، فانكشف الأناني والطماع والاستغلالي، وظهرت رداءة أصل الكثيرين، وأكثرهم انكشافا هم الجوعى والعطشى الذين ما لقوا طريقة لسد ثغر جيوبهم إلا باحتراف النصب والتسلق على الآخرين، بأي طريقة كانت! ولأن جوعهم سافر كانت طرقهم واضحة الافتضاح، حد الاشمئزاز واللوعة. ليس عيبا أن تظهر حاجتك، وليس حراما أن تسترزق لعيشةٍ كريمة! العيب أن تستغل من حولك، وتطمع بشكل مبالغ فيه لـتضع حاجتك فوق كرامتك، فتظهر وكأنك تخفي ابتسامة خبثٍ وراء صنيعك، والكلام يمتد لكل تاجر وصانع رفع تسعيرته في ظل هذه الظروف الوعرة، فما كانت الظروف يوما رخصة تبيح لك الطمع والاستغلال. ومهما قصر لحافك فحاول دوما أن تكسو باقي قدميك بشرف وكرامة، وإن صعب عليك ذلك فأقدام حافية أهون من انتعالٍ جاء من نصبٍ واحتيال، أو استغلال لحاجة الناس في ظل حالة وباء استثنائية، وكما يقول الروائي سرفانس: "حشو الكيس بأكثر مما يتسع له يمزقه".