سياسة المكيالين خليجياً... حق المواطنة بالتجنيس نموذجاً
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
أما حكومياً: فلا أَجِد ظلماً تشريعياً أكبر من حرمان المواطنة حق تجنيس أطفالها، في إخلال واضح لمبدأ المساواة. هذا المبدأ العظيم الذي أقرته الشرائع السماوية، واستقر بعد كفاح طويل في المواثيق الحقوقية الأممية ومنها (سيداو) وفي الضمير الإنساني وجميع الدساتير المعاصرة.من هذه المنطلقات، فإن تشريعات الجنسية الخليجية لا تخالف المواثيق الدولية والضمير الإنساني فحسب بل تناقض دساتيرها والشرائع السماوية أيضا.ما مبررات حرمان المواطنة حق التجنيس؟ أولاً- المبرر الديني: الأب هو صاحب الولاية، والأبناء إنما ينسبون إليه ويتبعون جنسيته لا جنسية الأم، لكن هذه مغالطة، فأحكام النسب ثابتة بالشريعة أما الجنسية فرابطة سياسية وقانونية، ولا يوجد في الشريعة ما يمنع الأبناء من اختيار الأصلح لمستقبلهم: جنسية الأب أو الأم. ثانياً- المبرر القانوني: القانون يعتمد معيار الدم في التجنيس. حسناً لماذا تحرم الأم ولها دور مساوٍ للأب؟! لماذا لا يكون حقاً مشتركاً كمعظم تشريعات العالم؟ثالثاً- المبرر الأمني: هناك من يتخوف على الأمن الخليجي، وهو تخوف لا محل له، لأن من مقتضيات الأمن الخليجي تجنيس أبناء المواطنة الذين رضعوا الولاء والانتماء، إذ لا مصلحة أمنية في حرمان شريحة كبيرة من الشباب من التجنيس وتركهم عرضة لمشاعر الحرمان والتهميش والمرارة والنقمة على المجتمع والدولة.رابعاً- المبرر الهوياتي: هناك من يخشى على الهوية الخليجية، وهو مبرر واه، لأن تجنيس أبناء المواطنة يعزز الهوية ويحصنها كونهم ولدوا في الخليج وتعلموا في مدارسه واكتسبوا ثقافته وتقاليده وعاداته ويحملون هويته، كما أن اعتبارات تصحيح الخلل السكاني تحتم تجنيسهم استعادة لتوازن مفقود بين أقلية مواطنة وأكثرية وافدة.الخلاصة: أن كل مبررات حرمان المواطنة من حق تجنيس أولادها غير مقنعة، والقضية مرجعها رواسب ثقافية ونفسية ماضوية متحيزة، وعقليات ذكوريّة لا تؤمن بمبدأ المساواة بين الجنسين، لم تفلح منابر الإعلام والتعليم والتثقيف في تغييرها.النظرة المجتمعية والحكومية مازالت أسيرة تلك العقلية الذكورية والثقافة المتحاملة، وتشريعاتنا في النهاية ما هي إلا إفرازات تلك النفسيات والعقليات المشحونة.أخيراً: ستحصل المواطنة على حقوقها كاملة، شئنا أو أبينا، وإن ننصفها بأيدينا خير من أن يفرض علينا، وإذا استطاعت حكوماتنا تجاهل مطالب الداخل فلا طاقة لها بمقاومة ضغوط التزاماتها بالمواثيق الحقوقية الدولية، ولن تنفعها تحفظاتها المضحكة، تارة بحجة الخصوصية، وكأن الخصوصية غطاء لستر الممارسات التمييزية، وطوراً بالاحتماء بالهوية وكأن الهوية مبرر لعدم المساواة، ومرة بالتمسح بالشريعة وكأن الشريعة تقر ظلم النصف الأفضل!* كاتب قطري