في سباق مع الزمن، وفي وقت قياسي لا يزيد على شهرين نجحت «لوياك لبنان» في تسليم 75 وحدة سكنية للمتضررين من انفجار مرفأ بيروت المأساوي، ومازال الشباب المتطوعون في قلب الميدان، لتنفيذ خطة طموحة لترميم وإصلاح 120 بيتا قبل حلول الشتاء، إضافة إلى وجود 50 منزلا إضافيا مازالت قيد التقييم.ومنذ اللحظات الأولى لانفجار المرفأ في 4 أغسطس الماضي، كانت «لوياك» في قلب المأساة تحت شعار «انهضي يا بيروت».
سرعة الاستجابة
في 20 أغسطس، قامت رئيسة مجلس إدارة لوياك فارعة السقاف بزيارة لبيروت امتدت شهرا، اطلعت خلالها على سير العمل هناك. وعن ذلك قالت: «كنت حريصة على زيارة المواقع المتضررة ولقاء الأهالي، واستمعت إلى شعورهم بالخذلان من بعض الجمعيات التي أطلقت وعود الدعم ولم تقدم شيئا، لذلك حرصنا في لوياك على سرعة الاستجابة والمصداقية، وتوقيع عقد مع كل متضرر (صاحب بيت)، وكان الاختيار وفق عدة معايير، منها تقييم الحالة الاجتماعية، وتقييم الضرر المادي، وكانت الأولوية للمواقع الأكثر تضررا، ولكبار السن والحالات الأكثر احتياجا».وأضافت السقاف: «بسبب ظروف كورونا وتداعيات ما بعد الانفجار انطوى العمل على مخاطر كثيرة جدا، إضافة إلى ضخامة الجهد المطلوب إنجازه في وقت قياسي. والحمد لله نحن جميعا سعداء جدا بما تم إنجازه، ولا يسعني إلا أن أشكر جميع الشباب المتطوعين، وكذلك ما كان لهذا الإنجاز أن يتم لولا دعم شركائنا الذين تجاوزوا الخمسين ومعظمهم من الأفراد، إضافة إلى بعض الشركات والمؤسسات، وفي مقدمتها الغانم انترناشيونال، ومجلس الأعمال اللبناني في الكويت، وهذا التعاون الكويتي - اللبناني يثلج الصدر ويعيد إلى الأذهان مشهد التآزر والتكاتف العربي».وأوضحت أن الحملة قد تطول إلى أكثر من سنة، لأنها لا تقتصر على معالجة الأضرار المادية فقط، مضيفة: «أي إنسان وافق على أن ندخل بيته ونمد له يد المساعدة أعطانا قدر ما أعطيناه، ويكفي أنه سمح لنا بالدخول إلى بيته، والاطلاع على خصوصيته، ووثق بنا، وهذا شيء لا يقدر بثمن».المناطق المتضررة
من جهتها، ذكرت العضوة التنفيذية مديرة «لوياك لبنان» نادية أحمد: «تحركنا في أكثر من منطقة في بيروت، خصوصا الأكثر تضررا، مثل الكرنتينا والجعيتاوي ومار مخايل والجميزة وراس النبع وبرج حمود والرميل، ولم تقتصر عمليات الترميم على البيوت فقط، بل شملت بعض المباني العتيقة والمستشفيات والمؤسسات الإعلامية والمراكز الفنية مثل المسرح في برج حمود».وتابعت أحمد: «في ضوء البلاغات والتقييمات وضعنا خطة لإنجاز ترميم وإصلاح 120 وحدة سكنية، بعضها عبارة عن مبان كاملة وليست مجرد شقق، على أن ننتهي منها جميعا منتصف نوفمبر قبل دخول الشتاء، ومع بدء التنفيذ تلقينا 50 طلبا إضافيا يتم تقييمها حاليا».وعما تم إنجازه حتى الآن، استدركت: «الحمد لله... بفضل جهود الشباب ودعم الشركاء سلمنا 21 منزلا ووحدة سكنية لأصحابها في الجعيتاوي، وهي من أكثر المناطق تضررا لقربها من المرفأ، ومعظم الاحتياجات هناك شملت ألواح الزجاج والنوافذ والأبواب والأسقف المستعارة، وترميم شروخ وجدران وإعادة طلاء».واردفت: «في الكرنتينا سلمنا 30 بيتا، ومعظم الاحتياجات هناك هيكلية، تتطلب عمليات هدم وبناء وتجديدا شاملا، بسبب قربها من المرفأ أيضا، وبالطبع تطلب العمل الهيكلي وقتا أطول لإنجازه، يضاف إلى ذلك تسليم 22 وحدة في مناطق أخرى منها الأشرفية ومار مخايل»، متابعة: «شراكتنا مع الغانم إنترناشيونال ساعدتنا على بلوغ أهداف الحملة... والمشروع عموما فرصة كبيرة للمتطوعين، وهم أكثر من 180 شابا وشابة، لتأهيلهم نفسيا، وتمكينهم مهنيا».تدابير احترازية
وحول أهم الصعوبات، قالت أحمد: «ظروف كورونا تطلبت تدابير احترازية للوقاية، وكنا حريصين على سؤال كل أسرة عما إذا كان أحد أفرادها مصابا بالفيروس، ونتيجة شدة الانفجار تضررت مبان كثيرة، وأصبحت هناك مخاطر كبيرة للعمل بالقرب منها مع احتمال انهيارها، وعندما حاولنا التأمين على الشباب رفضت بعض الشركات بسبب خطورة الأوضاع، وأيضا لأنهم متطوعون وليسوا موظفين، لذلك استعنا بمهندسين محترفين، واخترنا العناصر المدربة للتعامل مع هذا الوضع».وتابعت: «هناك صعوبة أخرى تتعلق بتداعي بعض البيوت وعدم صلاحيتها للسكن حتى قبل الانفجار، وبالتالي وجدنا أن المهام لا تقتصر على تداعيات الحادث، بل مطلوب تجديد شامل للوحدات كي تصلح للسكن الآمن، خصوصا أن بعضها يقطنها كبار السن وليس لديهم عائل».آراء الأهالي
وكان انطباع الأهالي أكثر من رائع عن حملة انهضي يا بيروت، حيث وجهوا الشكر إلى لوياك في لبنان والكويت، على سرعة الاستجابة أولا، حيث كانت أول مؤسسة تنزل إلى الشارع مباشرة عقب الفاجعة، وأيضا للمصداقية العالية وجودة التنفيذ.من مار مخايل، حكت ميرنا نصار عن الفزع الذي أصاب أسرتها، وجرح ابنتها نتيجة الانفجار والانشغال في المستشفى، لتفاجأ بعد استيعاب الصدمة بأن الأضرار التي لحقت بمنزلها تصل إلى حوالي 85 في المئة، ما أصابها بالحزن الشديد، خصوصا أنه تم تجديده قبل 5 سنوات فقط.وأضافت ميرنا: «لوياك كانت أول مؤسسة تصل إلينا في المنطقة وتلتزم بوعودها، وقد أخذت على عاتقها فورا تقييم الخسائر، وإصلاح الجدران والواجهات التي تضررت بشدة كي تستطيع الأسرة العودة إلى السكن، إضافة إلى إصلاح السقوف والأبواب والزجاج، وكانوا متعاونين جدا ولم يتركونا إلا بعد إعادة البيت لأفضل مما كان عليه».ومن «الكرنتينا» أشادت نسرين بجهود الشباب وروح التعاون وحرصهم على إصلاح كل شيء على أفضل ما يكون وفي أسرع وقت، مشيرة إلى تضرر بيتها خصوصا الأبواب والنوافذ وبعض الجدران، وإحساسها بالأمان عقب استعادة بيتها كما كان.أما رجاء زهران فقالت: «حتى قبل التفجير كانت هناك مشاكل، والآن البيت عمار بعد الدمار بفضل لوياك... وتعامل الشباب في قمة الذوق والرقي، والحمد لله البيت رجع أفضل مما كان، ولم يكن في قدرتنا فعل ذلك».أحزان البيوت
من جانبها، أفادت ضحى فرج، رئيسة مشروع «انهضي يا بيروت»، بأن «عمليات الترميم والإصلاح تطلبت زيادة الفريق الهندسي حتى نسرع في تسليم البيوت قبل الشتاء، وبالتوازي معها كانت مجموعات أخرى من الشباب تتولى أعمال تنظيف الشوارع والتخلص من الركام والمخلفات التي أعقبت الانفجار المروع».وأشارت فرج إلى أن بعض البيوت مازال بها حطام خشب وزجاج وحجارة حتى الآن، ويتابع المتطوعون عملية إزالتها، مبينة أن مهام «لوياك» لا تقتصر على ترميم وإصلاح المنازل ولا على عمليات التنظيف وإزالة المخلفات، بل هناك جوانب إنسانية متنوعة، لأن بعض الأهالي طلبوا مساعدات بعدما خذلتهم الجمعيات التي وعدتهم.وأشادت بجهود شركة العثمان في الكويت التي دعمت «لوياك» بكميات ملابس كبيرة، تم توزيعها على المتضررين، وكذلك مؤسسة Live love بيروت، مشيرة إلى أن المؤسسة تستعد لتسليم «لوياك» 5 أطنان من الثياب لتوزيعها على جميع المناطق المتضررة.وتابعت: «البيوت ليست جدرانا وزجاجا فقط، بل هي ذكريات وأحلام وقصص وأحزان بشر، لذلك لا يتعامل الشباب مع الكارثة في بعدها المادي فحسب، بل هناك دعم نفسي للمتضررين ومساعدة الأطفال خصوصا على تجاوز الصدمة والفزع، لذلك استضافت لوياك ورش عمل توجيهية للمتطوعين، تضمنت شرح طبيعة حملة انهضي يا بيروت، وكيفية المحافظة على الأمن في الميدان، ودور المتطوعين، وكيفية الحفاظ على الصحة البدنية والعقلية، وكيفية ملاحظة المخاطر، وتعريف المنسقين الميدانيين بعملية الإسعافات الأولية».ولأنها عملية تأهيل للبشر قبل الحجر، يتأثر المتطوعون أنفسهم بما يرونه من مآسٍ، لذلك حرصت «لوياك» على تقديم الدعم النفسي لهم، من خلال برنامج إدارة الصدمات، وتنظيم جلسات علاج جماعي أسبوعيا بالتنسيق مع خبراء في الصحة النفسية، لتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم ومشاركة أفكارهم وأحلامهم. في السياق نفسه، نظمت رحلات إلى البحر مع مجموعات مختلفة من المتطوعين، تضمنت تعزيز العمل الجماعي ودروسا في اليوغا، وكيفية التخلص من التوتر، وفي ذكرى مرور شهر على الانفجار، شارك متطوعو لوياك في وقفة رمزية بعنوان «إكراما للإنسان» أمام المرفأ، بالتعاون مع مجموعة بسمة، حدادا على أرواح الضحايا.تنسيق وإنجازات
إلى ذلك، أكدت المنسقة الإعلامية للحملة ساندرا عبدالباقي أن «لوياك» حرصت على التواصل والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، مشيرة إلى أن أهم صعوبات العمل الميداني غياب التنسيق أحيانا، ومن المؤسسات المدنية التي كان هناك تعاون معها جمعية «حلم».واعتبرت عبدالباقي أن متابعتها لأنشطة الحملة وإنجازاتها الميدانية تعد بمنزلة تأهيل مهم لمستقبلها المهني في مجال الإعلام.شركاء
نظرا للثقة الكبيرة في إدارة «لوياك»، وجدت المؤسسة دعما مهما مع مؤسسات كويتية ولبنانية، منها شركة «الغانم انترناشيونال»، حيث قال ممثل الشركة المهندس باتريك عبدالحي: «تحركنا على الفور لتقديم الدعم، خصوصا في الجوانب التقنية والهندسية، والحمد لله أنجزنا عمليات الإصلاح والترميم لعشرات الشقق في وقت قياسي، وسعداء بالتعاون مع لوياك فهم على قدر عال من المهنية والحس الإنساني».كذلك كان هناك تعاون مع مجلس الأعمال اللبناني في الكويت، كما أقامت أكاديمية الفنون الأدائية «لابا» معرضا للوحات الفنية، وقالت عضوة مجلس إدارة لابا المشرفة على المعرض الفنانة أميرة بهبهاني: «شيء رائع أن يشارك رسامون من الكويت ولبنان والعراق في معرض افتراضي خصص ريعه لمشروع انهضي يا بيروت، ما يؤكد دور وأهمية الفن كأداة فاعلة في تحقيق السلام».يضاف إلى ذلك إطلاق فيكي وعايدة باخوس حملة تبرعات دولية لـ «لوياك لبنان»، للمساهمة في التكاليف الكبيرة لعمليات الترميم والإصلاح وإعادة التأهيل، وعبرت عايدة باخوس عن سعادتها برد فعل الناس على ما تم إنجازه، مضيفة: «فكرت أنا وأختي المقيمة بأميركا في إطلاق حملة التبرعات لدعم لوياك، لما تتمتع به من مصداقية وجدية وسرعة استجابة بشهادة المتضررين من هذه المحنة».