استقبلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في 2016 فوز دونالد ترامب في الانتخابات بتحذير استثنائي مفاده أنها ستتعاون مع الرئيس الأميركي شرط احترامه القيم الديموقراطية، لكن لم تتحسن الأمور مذاك.

وبعد أربع سنوات، أحدثت خطوات ترامب المشددة في السياسة الخارجية والتي كشف عنها مراراً بتغريدات معبّرة عن غضبه، شرخاً ليس مع ألمانيا فحسب، بل مع معظم دول أوروبا.

Ad

وقالت سودها ديفيد-ويلب من مركز «صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة» إن «العلاقة عبر الأطلسي باتت فعلياً على جهاز الإنعاش».

وأفاد الخبراء أنه حتى وإن فاز المرشح الديموقراطي جو بايدن في انتخابات الثالث من نوفمبر، فلن يكون هناك حل سحري يردم الهوة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وأظهرت استطلاعات للرأي أجراها مؤخراً «مركز بيو للأبحاث» أن صورة الولايات المتحدة في أوساط الأوروبيين تراجعت إلى مستويات قياسية، حيث لم يعد إلا 26% من الألمان ينظرون بشكل إيجابي الآن إلى القوة العظمى.

وأفاد بروس ستوكس من مركز «شاتهام هاوس» أنه يمكن إرجاع «الحكم القاسي» هذا إلى الاعتقاد السائد بأن حكومة ترامب «أساءت إدارة أزمة كورونا المستجد».

وتضيف ديفيد-ويلب أن «الأوروبيين ينظرون إلى أميركا ويعتقدون أن هناك العديد من المسائل الداخلية التي تفكك البلاد وبالتالي كيف يمكنها أن تكون شريكاً جيداً في وقت كهذا؟».

التعددية

وانطلاقاً من انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني وصولاً إلى فرض رسوم على واردات الفولاذ والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي وإضعاف منظمة التجارة العالمية، وجّه ترامب ضربة تلو الأخرى للتعددية التي يوليها الأوروبيون أهمية بالغة كنهج في التعامل مع التحديات الدولية.

وصدم حلفاء بلاده حينما وصف الاتحاد الأوروبي بأنه خصم في مجال التجارة بينما «أخاف الناس» بتودده لروسيا، بحسب ستوكس.

ولطالما كانت ألمانيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في عين عاصفة غضب ترامب لأسباب عديدة لعل أبرزها إخفاقها في بلوغ أهداف حلف شمال الأطلسي للإنفاق على الدفاع.

وحتى على المستوى الشخصي، لا يخفي أي من أقوى نساء أوروبا، التي تغادر منصبها العام المقبل، وسيد البيت الأبيض عدم استلطاف أحدهما الآخر.

وبخلاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حاول إثارة إعجاب ترامب عبر عرض عسكري وعشاء مبهر في برج إيفل قبل أن تتردى العلاقات بينما، لم تحاول ميركل يوماً ملاطفة الرئيس الأميركي المتقلّب.

وطغى الفتور على العلاقات أكثر في يونيو بعدما رفضت دعوة لحضور اجتماع لمجموعة الدول السبع في واشنطن جرّاء المخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن ترامب أنه سيخفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في ألمانيا.

وقال ستوكس «لديه مشكلة حقيقية في التعامل مع النساء القويات».

لكن ترامب أقام بعض الصداقات في القارة، على غرار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يشاطره معاداة المهاجرين، وأعرب الأخير علناً عن دعمه إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري.

وقالت جاستينا غوتكوسكا من «مركز دراسات الشرق» إن بولندا، التي ستستفيد من إعادة نشر ترامب قوات بلاده، اختبرت «إعادة انخراط الولايات المتحدة» وتشارك واشنطن معارضتها مشروع «نورد ستريم 2» المثير للجدل لمد أنابيب غاز بين روسيا وألمانيا.

وفي حال فاز بايدن، «فسيرى حاجة لإعادة إحياء العلاقات مع الحلفاء»، بحسب ديفيد-ويلب.

بايدن

ويتوقع الخبراء أن يجري نائب الرئيس الأسبق زيارة إلى أوروبا بعد وقت قصير من فوزه، حال تحقق ذلك، والانضمام إلى اتفاقية المناخ وإعادة إطلاق المحادثات النووية مع إيران.

لكن ستتواصل الحساسيات المرتبطة بالإنفاق الدفاعي و«نورد ستريم 2» وحملة واشنطن ضد مجموعة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا.

وفي مواجهة اقتصاد أثقل «كوفيد-19» كاهله، سيتحاشى بايدن على الأرجح اتجاهات ترامب الأكثر حمائية لكن يرجّح أن تستمر رؤية ما قائمة على شعار ترامب المفضل «أميركا أولاً» للصناعات الأكثر حساسية لبعض الوقت.

وقال ستوكس «على الأوروبيين أن يفهموا أن إدارة بايدن ستكون منشغلة للغاية بالشؤون الداخلية».

وأضاف أن ذلك يعني أن بايدن سيحيط نفسه على الأغلب بسياسيين متمرّسين في الشؤون الخارجية يمكن الاعتماد عليهم بدرجة «أكبر من العادة.. لإعادة ترتيب الأمور بل حتى وضع مسار جديد».

وأشار إلى أنه في حال إعادة انتخاب ترامب، فسيكون هناك «الكثير من الترقّب» في العواصم الأوروبية بانتظار «أربع سنوات أخرى عاصفة».

لكن حتى وإن فاز ترامب بولاية ثانية فمن «الممكن جداً» للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكيل جبهة موحدة عندما يصب الأمر في مصلحة الجانبين في مسائل على غرار فيروس كورونا المستجد أو السياسات حيال الصين.

وقال المسؤول الألماني في الحكومة الألمانية عن العلاقات عبر ضفتي الأطلسي بيتر باير لفرانس برس مؤخراً إن «حرباً باردة» جديدة بين واشنطن وبكين انطلقت بالفعل وعلى أوروبا الوقوف «جنباً إلى جنب» مع الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي.

وكان من بين الآثار غير المقصودة لولاية ترامب المضطربة الإدراك المتزايد بأن على أوروبا أن ترص صفوفها.

وقالت ديفيد-ويلب إن «ترامب بكل تأكيد أحدث هزّة».

ويدل نجاح التكتل في التفاوض على خطة ضخمة لتحفيز الاقتصاد المتضرر من تداعيات كورونا، والتي قادها كل من ميركل وماكرون، على وجود زخم جديدة لتحقيق تعاون أقرب وإعادة إنعاش الشراكة الفرنسية الألمانية.

وأدت انتقادات ترامب الذي صور الأوروبيين على أنهم يستغلون الولايات المتحدة إلى رفع المساهمات في حلف شمال الأطلسي وإلى موافقة متزايدة على تحمّل الأعباء في المسائل المرتبطة بالأمن.

وهناك العديد من العقبات التي يواجهها التكتل الذي يضم 27 دولة تتباين مصالحها، انطلاقاً من القلاقل المرتبطة ببريكست ووصولا إلى الانتخابات المقبلة في دول أعضاء رئيسية.

ويعلّق ستوكس على الأمر قائلاً «إذا أردنا النظر إلى الجانب الممتلئ من الكأس، فلربما ساعدت رئاسة ترامب في تسريع الوحدة الأوروبية».