في وقت حسم المجلس الأعلى للقضاء الأسبوع الماضي قراراته نحو ترشيح رئيسه المقبل ونائبه، وتعيين رئيس جديد للمحكمة الكلية، على أثر بلوغ الرئيس السابق المستشار يوسف المطاوعة ونائبه المستشار خالد سالم السن القانونية، تجول العديد من التساؤلات بأذهان المتابعين للشأن القضائي والقانوني في البلاد، عما تمثله تلك القرارات وأهميتها على الوسط القضائي، وما تبعثه من استقرار داخلي وتفاؤل لتطور عمل الجهاز القضائي.ويأتي تشكيل المجلس الأعلى للقضاء الجديد وسط جملة من التحديات يواجهها الجهاز، خصوصا عقب القرارات التي اتخذها قبل نحو شهر ونصف من إيقاف سبعة قضاة عن العمل ورفع الحصانة عنهم، فضلا عن تراجع عمل بعض المحاكم أثناء فترة «كورونا» والإدارات المساندة لها، ومواجهة العديد من الملفات، وفي مقدمتها ملف تراكم الطعون أمام محكمة التمييز، والتي بلغت 35 ألفا.
طعون انتخابية
وبينما حسم الجهاز القضائي أمر المناصب القضائية بتعيين ابن المدرسة الجزائية المستشار أحمد العجيل رئيسا لمحكمة التمييز والمجلس الأعلى للقضاء، والرئيس السابق للمحكمة الكلية المستشار د. عادل بورسلي نائبا لرئيس محكمة التمييز، والرئيس السابق لنيابة التمييز المستشار عبداللطيف الثنيان رئيسا للمحكمة الكلية، والذي عرف عنه الانضباط بالعمل الإداري والفني، فإن مجلس القضاء مطالب الآن بحسم مناصب العضوية في المحكمة الدستورية بتعيين عضوين فيها، خصوصا ونحن على أعتاب انتخابات برلمانية ستثار على نتائجها العديد من الطعون الانتخابية.كما أن مجلس القضاء الأعلى مطالب بتعيين رئيس جديد لنيابة التمييز، خلفا للمستشار عبداللطيف الثنيان، الذي تولى رئاسة المحكمة الكلية، لاسيما أن لهذه النيابة العديد من المهام الجسيمة والشاقة، التي يغلب على عملها الجانب الفني، ويعتمد عليها قضاء محكمة التمييز في تلخيص الطعون المقامة، وبيان المخالفات التي تصيب الأحكام قبل عرضها أمام الدوائر في محكمة التمييز.عراقيل ادارية
وبعد أن يلتقط مجلس القضاء أنفاسه، وينتهي من ترتيب بيته الداخلي، عليه أن يعمل بروح الفريق الواحد، ويلتفت إلى الواقع الذي تمر به المحاكم، وتحديدا العمل الذي تقوم به الدوائر القضائية، من خلال تقييم عطائها الإداري، وبما يرتبط بالأجهزة المعاونة للقضاء وعطائها الفني، وبجودة الأحكام للوصول إلى حالة الرضا من عدمها، وبغية تقديم أفضل الحلول تجاهها بعد التأكد من الأسباب الإدارية والفنية التي تعرقل مسيرة العمل القضائي.ومن المشاكل التي تعانيها المحاكم والإدارات المساندة لها، والتي تتطلب حسما من قبل العهد القضائي الجديد، عدم التدخل في إدارات الكتاب من مسؤولي وزارة العدل، والذي تسبب في تعيين بعض من لا يتمتعون بالخبرات الإدارية التي تمكنهم من مواجهة العراقيل الإدارية، ولعدم حملهم أي رؤية من شأنها أن تعمل على تطوير العمل، مما ساهم في تراجع أداء الإدارات وأداء موظفيها، وبات من يعمل ومن لا يعمل في خانة واحدة!ومن المشاكل التي تعانيها المحاكم أيضا منذ 30 عاما حتى الآن قضية إعلان الدعاوى القضائية، التي تسببت في انهيار منظومة التقاضي أمام دوائر المحكمة الكلية، وأدت إلى تعطيل الفصل في القضايا لأكثر من موسمين قضائيين، بسبب عدم دعم أقسام الإعلان بموظفين من أصحاب الكفاءة والعطاء، ولقبول مسؤولي المحاكم وللأسف بحالات الندب التي يقوم بها عدد من مسؤولي الوزارة، والتي تسببت في تفريغ أقسام الإعلان من الموظفين، الأمر الذي ساهم في تأخير إتمام إعلان صحف الدعاوى، وتأخير الفصل فيها دون اكتراث بنتائج ذلك التأخير!التحول الرقمي
قضية إعلان صحف الدعاوى ليست وحدها التي ترهق المتقاضين؛ بل ما يسبق القضايا من قيد وترسيم وتدقيق يفترض على الوزارة ومسؤوليها أنهم قد استغلوا الأوضاع التي تمر بها البلاد والعالم أجمع بسبب جائحة كورونا بالتحول الرقمي وتوفير منصات للمتقاضين عن بعد لرفع الدعاوى وقيدها ودفع الرسوم دون حاجة الى الحضور لمقار المحاكم، والتنسيق مع إدارات تنفيذ الأحكام التابعة لوزارة الداخلية لتحقيق ذلك التحول الرقمي الذي ينعكس بالإيجاب على منظومة التقاضي.عجز إلكتروني
إلا أن الواقع العملي يعكس وللأسف العجز عن تقديم الخدمات الإلكترونية التي من شأنها أن تطمئن المتقاضين بقدرة إنجاز أعمالهم عن بعد، بل إن حال بعض الإدارات التي تعج بالملفات المكدسة والأوراق تكشف عدم القدرة على تحولها رقميا، لعدم وجود الموظفين فيها، وغياب الضبط الإداري فيها، والذي يعكس ضعف الرقابة الإدارية التي تعانيها بعض الإدارات التي تحمل العديد من الملفات، وبعضها ملفات قضائية، وكأن بعض الإدارات لم تتعلم من درس سرقة ملفات القضايا!ليس الإعلان وقيد الدعاوى وحدها ما يرهق المتقاضين والمحامين؛ بل يمتد الأمر إلى الحالة التي تعيشها إدارات التنفيذ المتعددة، والتي تغرد خارج سرب التطور التكنولوجي، رغم أنها من أسهل الإدارات التي يمكنها تحقيق ذلك، إلا أن عجلة التطور التكنولوجي لم تقترب منها سوى لخاصية الدفع الإلكتروني عن بعد، بينما يعيش المتقاضون الأمرين فيها من أجل إتمام انذار رسمي لمبنى يبتعد 10 دقائق مشيا على الأقدام من مبنى الإدارة الرئيسي أو حتى من أجل إتمام إعلان للأحكام القضائية!رحلة عذاب
تلك المشاهد لا تخفى على السادة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن الجديد في الأمر هي الصلاحيات التي يتمتعون بها، وباتوا أصحاب القرار القضائي المرتبط بتسيير عمل المحاكم والإدارات المرتبطة بها، فزيارة واحدة منهم لمحكمة الرقعي على الأقل تكشف حجم رحلة العذاب التي يعانيها المتقاضي والمحامي، فستظهر أمامهم فوضى الرسوم القضائية وانتظار المتقاضين الطويل أمام مصاعد المبنى واستخدام المحامين أحد المصاعد التي تستخدم للخدمات وأحيانا لإنزال «القمامة»، ثم مشاهدة حالة الفوضى التي تعج بالطابق الأول بقسمي الجدول والإعلانات ومشاهدة انتظار المتقاضين في الطابق الثامن أمام الجدول المحمي بوجود وتنظيم رجال الأمن.تأخر الملفات
ليست تلك المشاهد وحدها التي تعيشها المحاكم، بل كثيرة ومتعددة، ولا يسع المقام لحصرها، فبعضها أمام إدارة الخبراء التي تشهد تأخيرا في نقل الملفات رغم التراسل الإلكتروني، وبعضها أمام أقسام الحفظ في المحكمة الكلية والاستئناف، علاوة على التأخير في عقد الجلسات التي تحتاج إلى متابعة من المكاتب الفنية في المحاكم، والتي تحتاج بدورها إلى دعم وتعزيز ومنحها صلاحيات أكبر وأوسع بما ينعكس على عمل المحاكم.ورغم أن تلك المشاكل مرتبطة بأداء الإدارات المساندة للقضاء فإن هناك قصورا مرتبطا بعمل المحاكم نفسها، يستوجب من رؤسائها حسما لارتباطه بالقرارات التي يصدرونها، ومنها ملفات قضايا معارضات الجنح والجنح المستأنفة، والتي يعود بعضها إلى سنة 1995، وبلغت 350 ألف قضية، وفك الارتباط مع الإدارة العامة للتحقيقات في تخزينها، فضلا عن ضرورة حسم ملفات التظلمات بأشكالها، والتي تفتقر إلى المتابعة الإدارية من قبل أجهزة المحكمة نفسها، إذ لا يعقل أن تستغرق عملية نقل ملف من الطابق الأرضي إلى الطابق الرابع في قصر العدل 4 أيام، في حين ينتظر المتقاضون سرعة الفصل فيها. والحال كذلك فيما يتعلق بتراكم الطعون أمام دوائر محكمة التمييز المتعددة، والتي كانت عام 2014 ما يقارب 22 ألفا، لتبلغ عام 2020 ما يقارب 35 ألفا، ويعود بعضها إلى عام 2012، الأمر الذي يثير علامات استفهام كبيرة: إلى أين يتجه قضاء محكمة التمييز وهو مدين بـ35 ألف طعن متراكم؟ وما سبب هذا التراكم؟ وماذا استفدنا من حالة التردد في إنشاء دوائر قضائية كافية لمواجهة هذا التراكم، أو زيادة تعيين المستشارين الكويتيين بعد نقلهم من محكمة الاستئناف؟تدهور المبادئ
ولماذا سيطرت علينا هواجس تدهور المبادئ القضائية أمام محكمة التمييز لمجرد الخشية من مبدأ زيادة عدد الدوائر القضائية، رغم أن لدينا دائرة لتوحيد المبادئ أمام محكمة التمييز، ولم تعمل، على حد علمي، إلا بواقع قضية كل سنتين، رغم الحاجة لتوحيد المبادئ القضائية في العديد من الأنزعة، بعد أن كشف الواقع عن اختلاف عدد من المبادئ الصادرة من دوائر المحكمة.العهد القضائي الجديد ليس بحاجة إلى تشخيص المشاكل التي تعانيها المحاكم والإدارات التابعة لها، والتي باتت ترهق منظومة التقاضي، وإنما هو مطالب بإشهار مشرطه لعلاج تلك المشاكل، التي تستلزم تضافر الجهود والعمل بروح الفريق الواحد وتوزيع الأدوار بين أعضائه، والإصرار على تغيير الواقع الذي يشكو منه القاضي والمتقاضي والمحامي، بعد أن بات قبول هذا الواقع أمرا مرهقا جدا، وأصبح السير بطريق القضاء عبئا ثقيلا بسبب العراقيل الموضوعة فيه، وأصبح التحدي الأكبر أمام العهد القضائي الجديد أن يحوله إلى طريق ممهد، يتيح لكل ذي حق السير فيه دون حدود أو عراقيل أو أبواب مغلقة.