يبدو أن الرئيس التركي القوي مُصرّ على خلق نسخة مشوّهة من السلطنة العثمانية في القرن الحادي والعشرين، ففي هذا السياق، كان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند قد أعلن أن رجب طيب أردوغان "يحاول عسكرة شرق البحر الأبيض المتوسط، فانتهك التزامات حلف الناتو عبر شراء صواريخ روسية، واعتقل مئات الصحافيين والخصوم السياسيين، وهو مهووس بالنزعة الإسلامية". لكن لم تدرك أوروبا بعد حقيقة التهديد الإسلامي العسكري الذي يقف على أعتابها.بعدما أعاد أردوغان طرح "حزب العدالة والتنمية" كطرف يؤيد اقتصاد السوق والغرب، لم يمرّ وقت طويل قبل أن يتضح تفكيره الإسلامي الراسخ أمام الجميع، فهو يجمع اليوم بين السياسة الخارجية الخاصة بمصطفى كمال أتاتورك، كما فعل الرئيس الأسبق تورغوت أوزال، ورؤية عالمية لها طابع إسلامي متوسّع، تتحمل أوروبا نتائج هذه المقاربة، إذ تُصدّر أنقرة مقاتلين جهاديين إلى ليبيا، وقد تطلق أزمة مهاجرين محتملة أخرى، أو تؤجج الاضطرابات في شرق البحر الأبيض المتوسط.
قد يبدو هذا الوضع مقلقاً لكن يُفترض ألا يفاجئ المراقبين، تتمحور النزعة العثمانية الجديدة التي يتبناها الرئيس أردوغان حول توسيع النفوذ التركي بما يتجاوز حدود بلده عبر تطبيق أجندة مستوحاة من حركة "الإخوان المسلمين" في نقاط ساخنة مثل سورية وليبيا والمياه اليونانية. تبنّت تركيا استراتيجية إيران التي تقضي بإطلاق نشاطات مشبوهة عن طريق العملاء للتستر على طبيعة خططها الحقيقية.لا يُعتبر التجاهل الغربي لهذا الطموح الإسلامي المتشدد الجديد ظاهرة غريبة، فخلال أحداث الربيع العربي، في بداية عام 2010، تقبّل أوباما ضمناً حركة "الإخوان المسلمين" ولم يفهم توجهاتها غير الديمقراطية والمثيرة للاضطرابات، ولم تفشل القوى الأوروبية في التصدي للحملة التوسعية التركية فحسب، بل يبدو أنها لم تفهم جيداً الأيديولوجيا التي تحركها.تعود علاقات إردوغان مع "الإخوان المسلمين" إلى فترة السبعينيات، حين كان تلميذ نجم الدين أربكان، عرّاب النزعة الإسلامية التركية. ساعدت فروع "الإخوان المسلمين" في الخليج أربكان والإسلاميين في تركيا خلال حقبة الهيمنة العلمانية، وحين وصل "حزب العدالة والتنمية" وأردوغان إلى السلطة، كانا مستعدَين لرد الجميل، فأصبح هذا الهدف أكثر سهولة عندما أعطت إدارة أوباما تركيا حرية التصرف لأنها أرادت على ما يبدو أن تدعم القيم الديمقراطية التي يُفترض أن يجسّدها "الإخوان المسلمون".نتيجةً لذلك، ها نحن نشهد نجاح تركيا، بالتعاون مع قطر وإيران، في توسيع نفوذها المثير للاضطرابات في أنحاء المنطقة كلها. كان دور هذه الأطراف أساسياً في تطوير فروع تابعة لحركة "الإخوان المسلمين"، فراحت هذه الجماعات تروّج لعقيدة متشددة تهدف إلى إضعاف المقاربة المعتدلة والمنفتحة التي يتبناها عدد كبير من بلدان الشرق الأوسط. تتعدد الأمثلة على تلك الجماعات، منها "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن، و"الحزب الإسلامي العراقي"، و"جبهة العمل الإسلامي" في لبنان، و"حزب العدالة والبناء" في ليبيا.كذلك، أرسلت تركيا وقطر الأموال والموارد إلى المساجد في أنحاء أوروبا، حيث تكررت الرسائل الإسلامية وتكثفت محاولات فصل المصلّين عن نسيج المجتمعات العلمانية التي يعيشون فيها، وبدأت تحركات تركيا تخرج عن السيطرة لأنها تملك حرية التصرف نتيجة فشل أوروبا في إطلاق ردّ موحّد عليها.يُعتبر غياب الرد الموحد على موقف أردوغان حين هدّد باستعمال القوة ضد اليونان خير مثال على ذلك، وإذا كان الاتحاد الأوروبي مُصمَّماً ليكون منظمة تحمي المصالح المشتركة للدول الأعضاء فيه، فذلك يعني أنه خذل اليونان بكل وضوح، فقد عُقِدت قمة للمجلس الأوروبي في الفترة الأخيرة لكن رفضت اليونان وقبرص البيانات الصادرة عنها لأنها لا تلوّح بفرض عقوبات على تركيا، حيث يواجه هذان البلدان تهديداً مباشراً من تركيا، ومع ذلك تجاهلت الأطراف الأخرى مخاوفهما. إذا أرادت أوروبا أن تتصدى للمشاكل التي يسببها أردوغان، فيجب أن تبدأ بالإصغاء إلى تلك المخاوف، ولتحديد أفضل طريقة لمواجهة عدائية تركيا، يتعين على القادة الغربيين أن يفهموا حقيقة جذورها الإسلامية، لكن للأسف، لا توحي الظروف الراهنة بأنهم سيدركون هذا الجانب في أي وقت قريب.*مايكل أريزانتي
مقالات
على أوروبا أن تنتبه إلى الطموحات العثمانية الجديدة لإردوغان
20-10-2020