بلال عبدالله... حينما أشـْرُعُ بالكتابة عنه... يعني أنني سأكتبُ عن حُـقـبة زمنية كاملة من الإبداع والجمال والنقاء والأحلام، والفن.يعني... سأكتب عن أحد رجالات الكويت، وأحد أعمدة ورموز ورُوّاد الزمن الجميل وما بعده، وعن الحركة الفنية في الصحافة الكويتية والخليجية.
وحسبك أن تعلم لماذا يختص ذلك الزمن الجميل الذي أطلق عليه «جميلا»؟ فهو جميل، وأهله جميلون في واقع الأمر كله.ارتبطنا بقلم الأستاذ والمُرَبـِّي والفنان والمدير التعليمي بلال عبدالله الصالح، أطال الله عمره، في مجلة «النهضة» الكويتية الأسبوعية التي يعرفها كل أبناء الخليج العربي، وتصدر عن دار «الرأي العام» الكويتية؛ والتي أسسها عميد الصحافة الكويتية الأستاذ عبدالعزيز المساعيد، رحمه الله، إذ كان الأستاذ بلال رئيس القسم الفني بالمجلة، ويحرر فيها صفحته الأسبوعية (الكـَشَّـاف الفني)، إلى جانب لقاءاته الصحافية مع الفنانين، وكذلك إشرافه المباشر على صفحات «قـُرّاؤُنا يكتبون» في المجلة نفسها لعدة سنوات، ومن دواعي سروري أن المجلة نـَشَرَتْ لي في هذه الصفحة «محاولات شعرية» عديدة إبان إشرافه عليها. كما كان رئيساً للصفحة الفنية بجريدة «الرأي العام»، وذلك منذ أواخر الثمانينيات الهجرية، والستينيات الميلادية... حتى منتصف التسعينيات من القرن المنصرم. وتَـتـَلـْمَذنا على قـَلـَمِهِ وتعلـَّمنا منه الصراحة في الكتابة عن الفن والأعمال الفنية والفنانين من خلال ما يكتبه ويقدمه من قراءات وانطباعات مميزة عن الأعمال الفنية بكل ألوانها... حتى التشكيلية منها؛ تلك التي يتم عرضها في الكويت، والخليج العربي.وكنا نكتشف من «الكشاف الفني» «البِلالي»... مواطن الضعف والقوة والجمال والضد، والملاحظات الأخرى في تلك الأعمال من مسرحيات وسهرات درامية وإذاعية وتلفزيونية وغيرها... كما بـِتـْنا نعرفُ أحوال الفنانين وظروفهم ومعاناتهم وأمنياتهم من خلال كتاباته.أضف إلى ذلك نداءاته الدائمة لبعض المسؤولين في دولة الكويت حينما يرى تقصيراً أو قصوراً، أو ما يستوجب ذلك لخدمة الحركة الفنية الكويتية. وأستاذنا أبو عبدالله لا يكتفي بالكتابة عن ذلك، بل إنه يستشرف برؤيته المستقبلية وبصيرته الفنية بعض ملامح المستقبل واكتشاف المواهب، وذلك مما يتنبأ به من مستقبل فني لعديد من الفنانين الناشئين من الجنسين، وتسليط الضوء على سائر جوانب الحركة الفنية في الكويت وغيرها.وعلى المستوى الشخصي كنت أرى أن أي عدد من أعداد مجلة النهضة التي كنتُ أتابعها على مدى ربع قرن... لا أقرأ فيه صفحة «الكشاف الفني» لبلال عبدالله أعـْتـَبـِرُه عدداً «خديجاً»؛ أي ناقص النمو والاكتمال! لقد جَـسَّـد الأستاذ بلال عبدالله الوظيفة الضوئية لآلة «الكشاف» الذي نسميه في الأحساء «البُوجْـلِي» من المُسَمّى نفسه... فاتسمت كتابته الفنية بالوضوح، والصراحة والحيادية والمباشـَرة، والصدق والعدالة وعدم المبالغة وإعطاء كل ذي حق حقه، من إشادة أو غير إشادة. وهو إن قال أو كتب شيئاً خلاف ذلك... فهو يكتب دون تجريح أو تهوين أو سخرية، أو إساءة... بل بروح وقلم الأب والمُرَبِّي، وهو المسؤول التربوي لفترات طويلة في وزارة التربية بدولة الكويت الشقيقة.كما أنه يكتب بقلم الناصح الخبير الذي يهمس بمودة وحب، ولهذا تجده يتمتع بتوقير وحب واحترام من لـَدُن كلّ من يذكره... حفظه الله. وفي ذلك... أعتقد أنه يملك «أرشيفاً» جيداً من الأعمال والوثائق الفنية الكويتية والخليجية نتمنى نحن- قراءه ومحبيه- أن يخرجها لتكون بين دفـّتَيْ كتاب.وبلال عبدالله يعرفه الأحسائيون والسعوديون جيدا بكل بما ذكـَرْتُهُ عنه، وتـَجَسَّدَ ذلك بجلاء حينما زار الدمام والأحساء لأول مرة عام 1403هـ- 1983م... بدعوة رسمية من جمعية الثقافة والفنون بالدمام لحضور مسرحية «زواج بالجملة» التي عُرِضت في ذلك العام... إبان إدارة الأستاذ صالح البوحنية للجمعية. وما زال أستاذنا أبو عبدالله يتذكر بحنين وَوَلـَه، وشوق تلك الزيارة الفريدة التي يعتبرها تاريخية، ويتذكر الأصدقاء الذين الـْتـَقاهم في الأحساء والدمام، وبخاصة الأستاذ صالح البوحنيّة والراحل عبد المريخي وعبدالرحمن الحمد وناصر المبارك، وكاتب هذه السطور. وفي كل اتصال كان وما زال يُحَمِّلـُني إبلاغهم السلام، وهذا يدل على وفائه النادر.أما الجانب الإنساني الودود في شخصه الكريم، فهو جانب يبث عبقه من عطر رجال تلك الحقبة الناصعة النقية من رجال الكويت والخليج العربي، وكالذهب العتيق الذي يتجدد كلما مَرَّ عليه صدأ الدهر... فلا تملك إلا أن تُجـِلـّهُ وتـُصغي إليه وتودّهُ وتشعر وأنت تتحدث معه أنه، حفظه الله، مـازال بنشاطه وحيويته، وأن لديه مزيداً من الأحلام والأمنيات التي تنتظر تحقيقها في المجال الفني والمسرحي والإبداعي.وأؤكدُ ذلك بتواصله فهو لم يتوقف، جزاه الله خيرا، في الفترة الأخيرة عن الاتصال بي هاتفياً بشكل مباشر بالصورة التي يعرفها الناس في الاتصال المباشر هاتفياً، وليس عن طريق الرسائل النـَّصِّـيَّـة أو الصوتية، أو الاتصال المجاني بإحدى وسائل الاتصال، أو بـ «الماسنجر»، أو رسائل «الواتس» بل بالاتصال التقليدي المعروف، وذلك في الأسبوع مرتين تقريبا، ويفاجئني بعباراته الدافئة وسؤاله الدائم عني وعن أسرتي بصوته الأبوي، ويطلب أن أُبدي رأيي في ما يكتبه في صفحته بـ «تويتر»، ويا للعجب من أستاذ يطلب رأي تلميذه، وهذا يعكس نـُبـْلـَهُ وتواضعه!هذه شهادة صادقة سريعة، وقليلة في حق أستاذنا الجليل بلال عبدالله، أطال الله عمره، ومتعه بالصحة والعافية.* شاعر وكاتب سعودي من الأحساء، عضو مُـؤسِّـس لنادي الأحساء الأدبي
توابل - ثقافات
بلال عبدالله... سِـراج الفن وكتاب الوفاء
20-10-2020