فساد المصلحين وتساقط المعارضين
نكبة العمل السياسي في الكويت، وسبب الإحباط العام لدى الناس، وحالة الصدمة القاسية التي يعيشونها، هي بسبب فقدان الثقة، بل وعدم المصداقية للأغلبية العظمى من السياسيين، فهم يبيعون للمواطنين وهماً تلو الوهم، ويعطونهم وعوداً هم يعرفون مقدماً عجزهم وضعف قدرتهم عن القيام بها، وعلى الرغم من كل ذلك فإنهم يكذبون ويكذبون، ويعِدون، بل وللأسف يقسمون وهم يعلمون عدم صدقهم، وقد عانى المواطن من مرارة الكذب المتتالي، وشهد وعايش كذباً صريحاً، بعد أن صدّق وانتظر وترقب، فإذا كل ما قيل له متاجرة بمعاناته وبآلامه وتطلعاته، حتى وصل الأمر بالمواطن إلى عدم تصديق أحد، وهو غير ملوم في ذلك. ولعل اللافت في الأمر هو ما عايشه المواطن في سلوك وممارسة من يدعون أنهم مصلحون، ممن عوّل عليهم الناس وانتظروا منهم سلوكاً مختلفاً، فإذا بهؤلاء يلِجون في الفساد، تحت سمع ونظر المواطن، فهم يسلكون الوساطات الجائرة، التي تغتصب حقوق الآخرين ومراكزهم القانونية المستحقة، وليت فزعتهم كانت لمستحق أو مظلوم، بل إنهم يعقدون الصفقات تحقيقاً لمصالحهم الخاصة، أو يغمضون أعينهم عن ممارسات صريحة للفساد، ما جعلهم شركاء، بل إنك حينما تستمع لمن يدعي أنه من المصلحين وهو يسوق المبررات لموقفه المخزي أو المتخاذل أو الفاسد تدرك أنه قد فرط بالعهد، وحنث بالقسم، وخان الأمانة، وضيّع القيم، من أجل تعيينات أو محسوبيات ظالمة يتكسب من ورائها، أو حفنة من المال، أو تحقيق فائدة أو حيازة منصب لقريب أو صديق أو حبيب، ولا يهتم وقتئذاك أنه تنكَّر للوطن قبل المواطن، وأسقط اعتباره ومكانته، وإن أظهر له الناس احتراماً شكلياً فههم لا يثقون فيه ولا يحترمونه، حتى لو اعتلى أكبر المناصب، ويقولون فيه في مجالسهم أشد مِمَّا قاله مالك في الخمر.
ولعل تعقب سلوكيات المصلحين المفرطة، تضعنا أمام حقائق مذهلة في مسالك معظم المعارضين، فمعارضتهم شكلية واستعراضية، فهم رغم ظاهرهم ذاك دخلوا حقيقة إلى منظومة الفساد وناقضوا أنفسهم بممارساتهم المؤلمة، تحت مبرر عدم دخول شيء جيوبهم، وهم قد سخّروا ذلك لجيوب أقربائهم أو أصدقائهم أو رفاقهم، ونفّعوهم أو كسّبوهم أو منحوهم منصباً دون وجه حق، واستخدموا نفوذ نيابتهم أو مناصبهم أداة ووسيلة لتحقيق ذلك، وهو جوهر الفساد الذي حذّر منه الدين الإسلامي الحنيف وحرّمه، ومنعته القوانين وجرمته، وكرسته مبادئ الصدق والأمانة والعدل والمساواة للقضاء عليه ومحاربته. وهكذا يتساقط المصلحون، ويفسد الصالحون، إلا من رحم الله، وهم نادرون.وكل تلك الحقائق والممارسات توضح لماذا في بلد صغير مثل الكويت، وتعداد سكانه قليل، وخيراته وإمكانياته ضخمة، لم يتحقق الإصلاح في البلد منذ أكثر من عقدين أو ثلاثة من الزمان! ولماذا ملفات مشكلات البلد تُرحل وتُؤجل وتتفاقم وتكبر مع الزمن، وكأن الإصلاح غير ممكن، لكن الحقيقة توجَز بغياب الإدارة الحكومية الراغبة في الإصلاح والمتبنية له والمطبقة لمساراته، وبغياب نواب للأمة صادقين متجردين عن مصالحهم يحاسبون ويراقبون دون حساب للمصالح والمكاسب والمغانم، وهم من نحتاج، لنزَع ونردع كل مسؤول ينحرف عن طريق الصلاح والإصلاح، وهو العلة التي أدت لتآكل بلدنا شيئاً فشيئاً، حتى وصل إلى حافة الانهيار. وهناك حتى اليوم من يبيع الوهم معتقداً أنه يمكن أن يخدع الناس طوال الوقت، لكن هيهات له. فالتغيير قادم لا محالة.