حين يكون شركاء «الناتو» غريبي الأطوار ومستبدين

سافر وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان إلى موسكو لإجراء محادثات حول وقف إطلاق النار، ثم تم الإعلان عن "وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية" في وقتٍ سابق من الأسبوع الماضي لكنه انهار على ما يبدو حتى كتابة هذه السطور، فتكلم رئيس أذربيجان إلهام علييف حول فرص السلام يوم الجمعة قائلاً: "يجب أن يعرف المشاركون في محادثات موسكو أن الأرض أرضنا ولن نقدم أي تنازلات". كان ذلك الموقف تمهيداً لتجدد أعمال العنف في نهاية الأسبوع، فحاليا تتفوق أذربيجان ولهذا السبب قد لا تجد مبرراً للعودة إلى طاولة المفاوضات.

أعلنت تركيا دعمها القوي لأذربيجان، ويتماشى هذا الموقف مع سياستها الخارجية، فقد نفّذت تركيا عمليات عسكرية أحادية الجانب في سورية وليبيا وضغطت على اليونان وقبرص في جنوب القوقاز، واستنكر عدد كبير من الدول الأوروبية تدخلاتها العسكرية في سورية وليبيا وهدّد الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا، بفرض العقوبات على أنقرة على خلفية النزاع الحدودي في البحر الأبيض المتوسط.

تملك روسيا أسباباً وجيهة للتصدي للسلوك التركي، وفي هذا السياق، يقول سامويل راماني من قسم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة "أكسفورد": "من وجهة نظر روسيا، يُعتبر إقدام تركيا على إرسال ميليشيات سورية عميلة لها للقتال إلى جانب جيش أذربيجان تطوراً مقلقاً، فهو يثبت أن أنقرة تستطيع تجنيد السوريين لتحقيق غاياتها في أماكن أخرى غير ليبيا".

مع ذلك، لا تملك تركيا حرية التصرف في المنطقة، ففي مرحلة سابقة من الصراع، اتّهمت أرمينيا أنقرة بإسقاط إحدى طائراتها العسكرية لكن تركيا أنكرت هذا الاتهام بقوة، فأرمينيا منتسبة إلى "منظمة معاهدة الأمن الجماعي": إنه تحالف تقوده روسيا وهو يشبه بتركيبته خصمه الشمالي الأطلسي، وحتى الآن يتوقف تورط هذه المنظمة في الصراع على مستوى تصعيد الوضع، أي حقيقة التهديدات المطروحة على الأراضي الأرمنية. لا تشمل التزامات "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" إقليم "ناغورنو كاراباخ" لأنه ليس جزءاً من أرمينيا، لذا يتوسّع هامش التحرك التركي، وعلى صعيد آخر قد يدفع التوتر القائم بين نظام فلاديمير بوتين وحكومة نيكول باشينيان تركيا إلى تبني سياسة حافة الهاوية.

إيران هي الدولة الإقليمية الأخرى التي تراقب الوضع باهتمام وانزعاج، حيث يرتبط هذا البلد بعلاقة وثيقة مع أرمينيا، لكن تعيش أقلية أذربيجانية كبيرة ضمن حدوده (16% من العدد السكاني الإجمالي في إيران، أي أكثر من مجموع السكان المقيمين على الأراضي الأذربيجانية). لا تستطيع القيادة في طهران أن تتحمّل كلفة تهميش أي طرف من الطرفَين، وفي الوقت نفسه تريد إيران أن تتجنب انتشار العنف في المنطقة وتراقب عن كثب الوجود التركي على حدودها، وقد حاولت إيران أن تتخذ موقفاً حيادياً، لكنها سمحت لروسيا بنقل الإمدادات العسكرية إلى أرمينيا.

حتى الآن، لا يزال الغرب غائباً عن هذا الصراع، حيث يتعلق السبب على الأرجح بغياب أي وجود غربي ميداني من جهة، والتردد في التورط في صراع معقد تطغى عليه تركيا وروسيا وإيران من جهة أخرى، ومع ذلك لن يكون السماح لأحد أعضاء حلف الناتو بخوض صراع علني بهذا الشكل خياراً مثالياً.

تظن لورين سبيرانزا من "مركز تحليل السياسة الأوروبية" أن الناتو يجب أن يجد الطريقة المناسبة لنزع فتيل الأزمة على أعلى المستويات، مثلما حاولت الولايات المتحدة تحقيق هذا الهدف مع روسيا في سورية، وفي مطلق الأحوال تبقى تركيا بمصاف الحلفاء وسيضطر الناتو للوقوف إلى جانبها، ويجب أن يتمحور الهدف الأساسي حول تجنب أي تصعيد غير مقصود للوضع في حال أخطأت روسيا أو تركيا في حساباتهما.

قد يكون السماح لروسيا وتركيا وإيران بتأدية دور الوساطة لإرساء السلام أو الاتفاق على وقف إطلاق النار مجدداً أفضل خيار متاح في الوقت الراهن، حتى لو كانت فرصة التوصل إلى اتفاق دائم ضئيلة مع هذا النوع من القادة، لكن لا يستطيع قادة الغرب أن يتبنوا موقفاً متغطرساً، حتى أفضل نتيجة ممكنة في صراع "ناغورنو كاراباخ" يُفترض أن تُمهّد لإعادة النظر بأداء حلف الناتو، كما تبرز مخاطر أخرى أصلاً لمجرّد أن يكون أحد الشركاء غريب الأطوار وذا نزعة استبدادية متوسّعة.

* كورديليا بوشانان بونجيك