تبرز أهمية العمل الذي انطلق به مؤلف كتاب "المواطنة في كلمات حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح" من واقع يشير إلى أن معدلات المواطنة داخل المجتمع الكويتي بأبعادها المختلفة غير مرضية، ولا تتوافق مع ارتفاع معدلات الانتماء والولاء، فالمواطنة كما يشرحها المؤلف يعقوب الكندري هي "وحدة وهوية مجتمعية، وهي ولاء وانتماء"، بعد أن تجاوز مفهوم المواطنة مجرد وثيقة للجنسية الممنوحة للفرد، إلى أبعاد ومظاهر تحتاج إلى الدراسة والتحليل. ويعتقد الكاتب أن هناك مشكلة رئيسية يواجهها المجتمع في مفهوم المواطنة الصالحة، لذلك أقدم على تجميع وتصنيف وتحليل خطابات المغفور له الأمير الشيخ صباح الأحمد، من تاريخ بدء حكمه في 2006 حتى عام 2019، أي ما يقارب 13 عاما من ترؤسه للسلطات، وتم الحصول على الخطابات من موقع الديوان الأميري وموقع الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
تصنيف الخطابات
بلغة الأرقام وصل عدد الخطابات خلال تلك الفترة إلى 171 خطابا، وارتبط 96 منها بالخارج، بينما بلغ عدد الخطابات المحلية 75، وبمعدل 12.21 خطابا كل عام من الأعوام الـ13، و5.36 خطابات محلية كل عام، وتم تحليل واقع الخطابات كافة لاستخراج الجوانب المتعلقة بالمواطنة، بحيث جرى تجميع 63 خطابا أغلبها محلي و3 خارجية. واعتمد الباحث على الجوانب النظرية والأطر المفاهيمية واستخدامها، نظرا للخبرة التي اكتسبها في سنوات سابقة، بعدما تجاوزت دراساته 14 بحثا في مجال المواطنة والهوية الوطنية.الفصول الأربعة
أربعة فصول احتواها الكاتب، تناول فيها أبعاد المواطنة وقيمها وارتباطها بالمؤسسات الاجتماعية (الأسرة – المدرسة – الإعلام – المؤسسات الدينية والتشريعية والأمنية والمجتمع المدني)، وخص الفصل الثالث بالوحدة الوطنية، والرابع بالديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام القانون والإعلام والمواطنة.الكتاب دراسة شاملة، استوفت شروط البحث والمنهجية الاجتماعية، بحيث يصح أن يتحول إلى مادة تدرس في المراحل الثانوية والجامعية، نظرا للجهد المبذول فيه، ولإحاطته بالموضوع بشكل عميق وعلمي ودقيق.الاستنتاجات
وسجل الدكتور الكندري جملة من الملاحظات والاستنتاجات والقضايا التي أشار إليها سمو الأمير وهي: أولا: احتوت الخطابات على أكثر من عنصر أو بعد من أبعاد المواطنة في الخطاب الواحد.ثانيا: غلب على خطابات الداخل التركيز على مفاهيم المواطنة وأبعادها، فلم يخل خطاب من خطاباته الموجهة محليا من الإشارة إلى هذا العنصر. ثالثا: جاءت الخطابات مرتبطة بمستوى اللقاء، مثل أدوار الانعقاد لمجلس الأمة وفي شهر رمضان وفي العشر الأواخر. رابعا: تفاوتت الخطابات بين شدة الكلمة ولينها وارتباطها بالأحداث السياسية والحياتية اليومية، فقد شعر بأن يُنبه على بعض الأحداث والسلوكيات التي تُعرض الكويت ووحدة الصف للخطر، فكان لا يتوانى عن إطلاق تحذيرات تتسم بالوضوح والشدة في عرض الواقع، وما ستؤول إليه الأمور انطلاقا من حرصه وخوفه من الانفلات، من هنا الحرص على استخدام عبارات الحزم متى استدعى الأمر. خامساً: جاءت كلماته بمنزلة التوجيه والنصح وفي أماكن أخرى، عبارات عتب ولوم وقلق ودق جرس الإنذار انطلاقا من الأحداث المحيطة. سادساً: كثير من كلمات سموه كانت موجهة إلى أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل مباشر، لكن المضامين في الغالب موجهة للشعب. سابعاً: كان حريصاً على أن يلقي خطاباً متى دعت الضرورة والحاجة إلى ذلك، فقد زادت خطاباته في وقت التوتر السياسي بين السلطتين، وما شهدته الساحة السياسية من خروج إلى الشارع وفي أثناء التجمعات. ثامنا: يعرض بعض الأحداث بدقة انطلاقا من مسؤوليته عن البلد وعن أحوال أبنائه، والكثير من الأحداث عرضها بدقة وبتشخيص متناهٍ. تاسعا: تميزت بصراحة بالغة ومطلقة لعرض واقع اجتماعي محدد. عاشرا: استلهم في خطاباته عبارات وكلمات من التراث ومن الموروث الثقافي.أحد عشر: أبرز القضايا التي ركز عليها وحذر منها هي تلك المتعلقة بالإعلام وما يلعبه من دور مهم في هدم أركان الدولة أو بنائها، فهو أداة أدرك سموه أهميتها وخطورتها ومدى تأثيرها في الواقع الاجتماعي. اثنا عشر: اعتمد على ضرب الأمثلة الحية والمباشرة عندما ترتفع وتيرة الأجواء السياسية أو تزيد في الشارع السياسي، ويضع الحلول المناسبة لها.عبارات خالدة
ثلاث عبارات اختزلت موضوع الكتاب، جاءت في أحد الخطابات على النحو التالي: "إن المواطنة الحقة تقاس بما يقدم للوطن من عطاء وإخلاص وولاء وتضحية وفداء، فليس الانتماء للوطن شعارا يتغنى به، بل هو عمل وتفان للحفاظ على أمنه واستقراره ورفعة شأنه".ذلك كان التمهيد للكتاب الصادر حديثا عن مركز البحوث والدراسات الكويتية، يأتي في وقت تستذكر الكويت مآثر المغفور له الشيخ صباح الأحمد، وهي أحوج ما تكون إلى جعل المواطنة، على قائمة الأولويات، وإشاعة هذه الثقافة لبناء مجتمع متماسك.