مدى أهمية إنشاء نيابة مالية
تظل فرنسا من الدول الرائدة في صناعة القوانين حتى أضحت لديها ترسانة من المؤلفات القانونية الضخمة التي تشير إلى تطور الفكر القانوني لديها يوما بعد آخر، وليس هذا بمستغرب على دولة تملك تراثا فكريا بشكل عام وقانونيا بشكل خاص هو الأضخم بين دول العالم، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التنقيب عن المستجدات القانونية لديهم ومحاولة فهم هذه الأفكار ودراستها بغرض الاستفادة منها، والاستعانة ببعض التجارب التي حاولت من خلالها تقديم حلول للمشكلات التي تستجد مع التطورات المتلاحقة والتي تسير جنبا إلى جنب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أنها الدولة الرائدة في صناعة التوصيات التي انطلقت منها مجموعة العمل المالي الدولي والتي مقرها باريس، والمعروفة بجهودها الثرية والدائبة والدائمة في مكافحة جريمة غسل الأموال، ومن ضمن التجارب التي تشهد لها بالريادة ويمكن التعويل عليها، قيامها بإنشاء نيابة وطنية مالية.كانت الظروف التي دعت الرئيس الفرنسي الأسبق هولاند إلى القيام باتخاذ حزمة من الإجراءات القانونية، ظهور العديد من قضايا الفساد التي هزت الرأي العام الفرنسي، واتهام بعض أعضاء الحكومة ومن بينهم وزير الخزانة، وكان على رأس الإجراءات التي اتخذها الرئيس الفرنسي إنشاء نيابة وطنية مالية، يكون جوهر عملها التركيز على إجراء التحقيقات فيما يخص الجرائم المالية الكبرى، لما لاحتياجها لكوادر فنية مدربة لديها استيعاب كامل لهذا النوع من الجرائم، وذلك لارتباطها بمراحل عديدة منذ بدء وقوعها، وهذا من شأنه أن يساعد جهات التحقيق في التوصل إلى التكيف القانوني السليم للجريمة، خصوصا أن هذا النوع من الجرائم أصبح لا يمتد نطاق وقوعه على التراب الوطني فقط، بل يدخل في تفاصيله البعد الدولي وما يسمى المنظمة.
إن استقلالية النيابة المالية مسألة تساعد الجهات المختصة في الاستعانة بكفاءات وكوادر تتمتع بإمكانية استخدام ما لديها من آليات ووسائل معلوماتية تساعدها في ملاحقة الأشخاص من مرتكبي الجرائم المالية، مما يساعد في الحفاظ على مصداقية القيام بإجراء التحقيقات التي تصب في مصلحة الحد من مخاطر وقوع جرائم الفساد وغسل الأموال، والعمليات المالية المشبوهة، مما يعزز من مكانة المؤسسات المالية والمصرفية في البلاد ويخدم الاقتصاد الوطني.وهو اقتراح يمكن النظر إليه بعين الاعتبار، ومحاولة تناوله ودراسته بل حتى تطبيقه، طالما أنه يساعد في تحسين وتطوير طرق مكافحة جرائم غسل الأموال بصفة خاصة والجرائم المالية بصفة عامة، وحري بنا أن نسعى إلى تطبيق هذه الوسائل طالما أنها تخدم المصلحة العامة.