عندما نكون جاهزين (2)
عندما بدأت أموال النفط بالتدفق فتحت الحكومة أبوابها للتوظيف، وترك الكويتيون أعمالهم، وقطع بعض الدارسين دراستهم ليدخلوا الوظيفة العامة من أوسع أبوابها، ولم يكن هناك خريجو جامعات وقتها، فكان الذي تخرج من المباركية أو الأحمدية أو المعهد الديني وكان خريجو ملا مرشد والخنيني لهم الأولوية، لكن مع تطور البلد وزيادة مشروعاته وتعدد شركاته ونمو الكويت العمراني السريع كان لا بد من دعوة وافدين من الدول العربية للأعمال الهندسية والطبية والقانونية والمهن الفنية الأخرى التي تحتاج خبرة طويلة وشهادات تخصص دراسي وتدريب عملي، ولم يكن قد توافر كويتيون لهذه المهن، فهؤلاء هم من بنى الكويت الحديثة وكانت غالبيتهم العربية من مصر وفلسطين، وجاءت مواقف القيادات الفلسطينية من الغزو لتحرم الفلسطينيين من وظائفهم وأعمالهم في الكويت، وتفتح الباب لأكثر الدول العربية قدرة على سد حاجة الكويت لهذه المهن وهي مصر. نجحت الكويت في استقطاب خبرات جيدة من مصر، وفشلت في اختيار البعض، وفي هذا الفشل لا نلوم مصر أو المصريين، نحن من أسأنا الاختيار، وربما في مرحلة اعتمدنا على بعضهم في اختيار زملائهم وأحيانا كانت مصر هي التي تحدد من يذهب للكويت عندما كان نظام الإعارة قائماً، لكن أحداً لم يرغم الكويت على قبول أي عنصر، وكان عندنا وما زال قصور في أساليب وطرق الفرز والاختيار، وما زال بعض المسؤولين يرتكز في قرار اختياره لمختص أو مستشار على همسة من هذا أو ذاك، وفي حالات أستطيع القول إننا اخترنا الأسوأ لسبب في نفس من اختار، ولكن نظام التوظيف غالبا لم يكن يستطيع البحث عن الأكفأ. ولا أدري من اخترع وظيفة مستشار إداري ثابت في مؤسسات الدولة، وأتفق مع كثيرين أن اختيار مستشار إداري حتى لو كان لمهمة مؤقتة فلا بد أن يكون اختيارا دقيقا، ولذلك برز فشل ديوان الخدمة المدنية في تطوير نظام الرواتب الحكومية وخلق أسوأ النتائج في وضع الكوادر الكثيرة التي كبدت الدولة أموالا طائلة دون أن تحقق الرضا والعدالة للعاملين في الحكومة وأجهزتها رغم كثرة المستشارين في ديوان الخدمة المدنية.
مصر مثل الكويت وأي بلد في العالم فيها الأفراد الذين جاهدوا واجتهدوا وتلقوا أحسن العلوم وحصلوا أفضل الخبرات، وفيهم من لا تساوي شهادته دينارا واحدا، لكن الاختيار والتعيين يقوم به جهاز أو شخص كويتي ولا يقوم به الوافدون، وبيننا وبين هؤلاء المهنيين والمختصين عقود عمل يمكن إنهاؤها متى أردنا حسب القوانين الكويتية المرعية، ولا يوجد أي داع للتهور بالقول أو الكتابة في معالجة أوضاع إدارية عادية، وليس من الذوق شمل جميع الوافدين وإخوتنا المصريين بالذات بجريرة قلة لم تحسن أداء عملها. المفرح أن أعداد الكويتيين المؤهلين لهذه الوظائف بازدياد وصار لدينا خبرات مميزة قد تفوق خبرات الوافدين، لكن العدد حتى الآن ليس كافيا لسد حاجة الكويت، وأكبر مثال ما برز مع مشكلة كورونا التي لولا المتطوعون ومنهم عدد كبير من البدون والوافدين لواجهنا مشكلة كبرى في تقديم العلاج لآلاف المرضى. علينا أن نبدأ بدراسة الاحتياجات الحالية والمستقبلية من كل التخصصات والبدء بتعيين الكويتيين مع الوافدين لأخذ شيء من خبرتهم قبل تركهم العمل، لكن الطريق ما زال طويلاً للاستغناء عن هذه الفئة، إلا إذا توقفت الكويت عن البناء والتطور.لا بد أيضا من الاستفادة من كل الدراسات التي دفعت فيها الكويت ملايين الدنانير لتطوير العمل الحكومي والخاص واستخدام التقنيات الحديثة لجعل الوظيفة العامة والخاصة أكثر رشاقة وأدق وأسرع في تقديم الخدمات للناس، وشبابنا الكويتيون مؤهلون لهذا الدور أكثر من الوافدين إذا أحسنا الاختيار والإعداد.إذا أردنا إصلاح التركيبة السكانية فإننا بحاجة لخطة شاملة لإعداد الكويتي لأسلوب حياة مختلفة في البيت والعمل، وتأهيله لكل أنواع الوظائف وتغيير علاقته بالوظيفة المطورة وتمكينه من أدائها ليحل مكان وافد أو أكثر يشغلون هذه الوظائف، وقد نجد أن كل الأعداد غير كافية، فنعرض على بعض الوافدين المتميزين وممن قدموا خدمات جليلة للكويت إقامة دائمة أو الجنسية الكويتية.