العراق: محتجّو تشرين يتحركون كـ «سلطة اجتماعية»
نجحت حركة احتجاجات تشرين العراقية في تأكيد حضورها مرة أخرى، حين أحيت معظم المدن بالبلاد ذكرى مجازر ٢٥ أكتوبر (تشرين) من العام الماضي، التي كانت منطلقاً لتحول التظاهرات إلى لاعب كبير وجديد في اللعبة السياسية.ورغم أن العنف لم يعد يتكرر مع حكومة مصطفى الكاظمي، بالمستويات المروعة التي أسقطت خلال عهد الحكومة السابقة نحو ٣٠ ألفاً بين قتيل وجريح، في ثلاثة أشهر، فإن نحو ١٧٠ جريحاً سقطوا كذلك نهار الأحد الماضي بينهم عشرات من رجال الأمن، أثناء مسيرات حاول بعضها عبور جسور وحواجز تؤدي إلى البرلمان ومجلس القضاء ومباني الحكومة في بغداد، لمزيد من الضغط بشأن المطالبات الأساسية.ولم تعد مطالب حركة الاحتجاج منذ شهور تقتصر على الوظائف والخدمات، بل باتت تستخدم عبارة «الانتقال السياسي والتغيير»، للمطالبة بنظام انتخابات عادل ينظم اقتراعاً تحت إشراف دولي، ويمنح الشعب فرصة في استبدال ممثليه التقليديين، وهو مطلب دعمته قوى وطنية كثيرة، إلى جانب مرجعية النجف الدينية.
وفي وقت أشاد الكاظمي بسلمية المتظاهرين وناشدهم تطويق بعض المجموعات الغاضبة، التي قذفت قنابل مولوتوف ضد الشرطة، أصدر الحليف السابق للمحتجين رجل الدين ذو النفوذ الواسع مقتدى الصدر، بياناً شديد اللهجة هاجمهم فيه وطلب إنهاء الاحتجاج. وتستعد تنسيقيات المحتجين، حسبما يتردد، لإصدار موقف موحد يعلن الانسحاب من ساحات التظاهر، حتى إشعار آخر، تفادياً لأي صدامات مع حلفاء الصدر الغاضبين من انتقادات يوجهها تيار علماني قوي داخل الاحتجاجات للعوائل الدينية، كما يحاول المحتجون تفادي تصادم خطير محتمل مع الميليشيات الإيرانية، المتهمة أساساً بتصفية مئات الناشطين المدنيين وقمع الحراك بقسوة مفرطة.وقد سبق للحركة الاحتجاجية أن جربت هذا التكتيك، خلال مراسم أربعين الإمام الحسين بن علي في كربلاء، مطلع الشهر الجاري، حيث انسحبت مواكب الناشطين لتبتعد عن الاحتكاك بحضور قوي للميليشيات أثناء طقوس الزيارة والمأتم الحسيني.ونجحت الحركة في إيجاد مستوى تنسيقي عالٍ، وظهرت لأول مرة موحدة، خلال زيارة كربلاء الأخيرة، حيث وصف المراقبون ذلك بأنه بمثابة إعلان تكتل انتخابي موحد عند ضريح الإمام الحسين، وهي خطوة رمزية كبيرة تستعير المكان والزمان المقدسين لإحراج أحزاب السلطة، ومعظمها إسلامية تتبنى خطابات الثورة الحسينية، رغم أنها متهمة بالفساد على نطاق واسع.ويرى المراقبون أن حركة تشرين إذ تنجح في إعلان تنسيق عال بين صفوفها، وتؤكد بقاءها قوية رغم تراجع زخم المظاهرات السابق؛ فإنها تثبت كذلك أنها لم تعد بحاجة إلى المسيرات والفعاليات اليومية، بل تطور أساليب احتجاجها وجماعات الضغط المنبثقة عنها أو المتحالفة معها، لتتصرف كسلطة اجتماعية مؤثرة داخل اللعبة السياسية، أكثر منها مجرد حركة احتجاج.لكن هذا التطور يستفز خصوم المحتجين، ويجعلهم يدركون خطراً أكبر في منافستهم لهم، بل تشير الأوساط السياسية إلى أن كثيراً من حلفاء الحركة بدأوا يشعرون بالقلق كذلك، جراء استقوائها بالشارع المؤيد لها والتعاطف الدولي مع تضحيات كبيرة قدمتها، كلما بدا أن في وسع الناشطين، بقليل من التنظيم واستخدام ماكنة انتخابية صحيحة، الدخول بقوة للبرلمان، خلال الانتخابات المقبلة، وتشكيل كتلة تغير أوزان الأطراف الأخرى في البرلمان.