عادت حملة "عودة الخمس الكبار"، التي سبق أن أطلقها خبير الآثار المعروف بسام الشمّاع قبل سنوات، للمطالبة باستعادة خمس قطع أثرية نادرة خرجت من مصر تاريخياً، واستقرت في متاحف دول أوروبية، وعلى الرغم من المطالبات المصرية المتكررة بإعادتها، ذهبت جميعها سدى، وبقيت هذه القطع الفريدة كالطيور المهاجرة قصراً، تعيش في جنبات متاحف أجنبية، وتدر ملايين الدولارات سنوياً، بينما لا يستفيد منها أصحابها الأصليون!أما سبب عودة هذه الحملة إلى الواجهة مجدداً، فهو تلك الكارثة التي وقعت أخيراً في ألمانيا، حين تعرضت عشرات القطع الأثرية، بينها توابيت مصرية، لتخريب متعمد في جزيرة المتاحف بالعاصمة الألمانية برلين، وهي المدينة التي تضم متحف برلين وبداخله الملكة الأسيرة نفرتيتي، بتمثالها النصفي الشهير، الذي هو أحد القطع الخمس الكبيرة التي تطالب بـ"حق العودة".
سائل زيتي
وكانت شرطة برلين أكدت، قبل أيام، تقارير واردة من صحيفة "دي تسايت"، وإذاعة ألمانيا حول الكارثة التي تعرضت لها الآثار الفرعونية هناك، لكنها لم تدل بمزيد من التفاصيل عن الواقعة والدوافع.وبحسب تقارير إعلامية، فقد وقعت التلفيات في الثالث من أكتوبر الجاري، لكن لم يجر الإعلان عن الواقعة حينئذ، حيث جرى رش نحو 70 قطعة في متحف بيرغامون، والمتحف الجديد، والمعرض الوطني القديم، ومواقع أخرى بسائل زيتي.وقالت الصحيفة الألمانية، التي فجرت القضية: "يعد هذا إحدى أكبر الهجمات على الأعمال الفنية والآثار في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب"، لافتة إلى أن الأعمال المتضررة تشمل توابيت مصرية، وتماثيل حجرية ولوحات من القرن التاسع عشر، وقد ترك السائل بقعاً واضحة عليها.متحف بيرغامون
وتعد جزيرة المتاحف أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1999. وفي بداية هذا الشهر، احتفل متحف بيرغامون بمرور 90 عاماً على تأسيسه. وسُمي المتحف على اسم أشهر معالمه، مذبح بيرغامون، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وينتمي إلى مقر إقامة ملوك بيرغامون الأقوياء، الذين أنشأوا مدينة ثقافية على غرار أثينا في غربي ما يعرف الآن بتركيا.وكواحد من المتاحف القليلة في ألمانيا، يجذب بيرغامون أكثر من مليون زائر كل عام، عندما يكون مفتوحاً بالكامل، وتجذب جزيرة المتاحف التي تضم أيضاً المتحف القديم ومتحف بوده والمعرض الوطني القديم والمتحف الجديد المعروض فيه تمثال نفرتيتي الشهير، ومعرض جيمس سيمون بصفته أحدث مبنى في الجزيرة نحو 3.1 ملايين زائر سنوياً.وتعليقاً على الواقعة، يقول المرشد السياحي وخبير الآثار المصري، بسام الشماع، لـ"الجريدة": لقد آن الآوان لاستعادة آثار مصر الموجودة في الخارج، خصوصاً بعد تعرض كبريات المتاحف الأوروبية لكوارث فادحة من هذا النوع قد تؤدي إلى ضياع إرث حضاري لا مثيل له، ولا يمكن تعويضه بأية حال.وجدّد الشماع الحديث عن أهمية تفعيل حملة "الخمس الكبار"، التي يطالب فيها مع آلاف المصريين الذين جمع توقيعاتهم قبل سنوات لمطالبة دول أوروبية بإعادة ما لديها من آثار خرجت من مصر بطرق ملتوية وغير شرعية، والقطع الخمس هي: تمثال نفرتيتي الموجود في متحف برلين، وتمثال (حم-إيونو) مهندس الهرم الأكبر (موجود داخل متحف Pelizaeus بمدينة هيلديسهايم بألمانيا)، وعملة الملكة كليوباترا (في المتحف البريطاني)، وبردية "تورين" أقدم خريطة في التاريخ (في متحف تورينو بإيطاليا)، وثوب طرخان أول ثوب في التاريخ (موجود في متحف "بيتري لندن").عين الملكة
وفيما يتعلق بتمثال نفرتيتي أوضح الشمّاع أن التمثال مصنوع من الحجر الجيري، واكتُشف في 6 ديسمبر 1912، ويلاحظ في التمثال غياب إنسان العين الأسود المستدير من وسط العين اليسرى للملكة، ما جعل البعض يظن أن الملكة الجميلة كانت مصابة بإعاقة بصرية، لكن هذا غير صحيح، إذ لا يوجد أثر في المنطقة الوسطى البيضاء في العين لأي صمغ أو مادة لاصقة، كما أن علماء آخرين ذهبوا إلى أن إنسان العين لم يوضع من الأصل، وكان هذا مقصوداً من الفنان المصري الذي نحت القطعة، لأنها كانت مجرد "موديل" يعمل عليه، ويحاكيه النحاتون العمّال تحت إشراف النحات الملكي "دجحوتي – مس" لتدريبهم على هذه العملية الفنية الدقيقة.رمز الجمال الأنثوي
يُعد تمثال نفرتيتي أحد أشهر الأعمال الأثرية المصرية القديمة، وهو تمثال نصفي مدهون من الحجر الجيري، عمره أكثر من 3300 عام، صنعه النحات المصري تحتمس عام 1345 قبل الميلاد، للملكة نفرتيتي زوجة الفرعون المصري إخناتون. وقد جعل هذا التمثال من نفرتيتي أحد أشهر نساء العالم القديم، ورمزاً من رموز الجمال الأنثويّ.