استبق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، انطلاق مفاوضات سد النهضة الإثيوبي في ساعة متأخرة أمس، بالتأكيد المشترك على مواقف القاهرة والخرطوم من المفاوضات وضرورة أن تنتهي باتفاق قانوني ملزم يحقق مصالح جميع الأطراف، بما يعكس تنسيقاً بين بلدَي المصب في جولة المفاوضات الجديدة مع أديس أبابا.

السيسي استقبل البرهان في قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة، ظهر أمس، في أول زيارة خارجية للمسؤول السوداني الكبير عقب إعلان بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل برعاية أميركية، الأسبوع الماضي.

Ad

وصرح المتحدث باسم الرئاسة، بسام راضي، بأن اللقاء شهد التباحث حول مجمل القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المتبادل، كما تم استعراض تطورات ملف سد النهضة في ضوء الموقف الحالي للمفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا تحت رعاية الاتحاد الإفريقي.

وتم التوافق بين السيسي والبرهان على الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني باعتبارها مسألة أمن قومي، ومن ثم تمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد، ويحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.

استئناف التفاوض

وتتزامن زيارة البرهان لمصر، مع استئناف مفاوضات السد، الذي سيكون الأكبر في إفريقيا عند الانتهاء منه، بمشاركة وزراء الخارجية والري، أمس، بعد تعثر استمر شهرين، وبدا واضحاً أن القاهرة والخرطوم تريدان بعث رسالة إلى أديس أبابا بأنهما تقفان على مسافة واحدة بموجهة "تعنتها"، وتتمسكان بضرورة الالتزام بجدول زمني واضح لمسار التفاوض يفضي في النهاية إلى توقيع اتفاقية ملزمة، في مواجهة الرغبة الإثيوبية في اتفاقية إطارية غير ملزمة لها.

ولم يعرف على وجه الدقة أجندة المباحثات، أمس، لكن الجلسة عقدت بعد أن دعت الخرطوم إلى ضرورة "تغيير منهجة التفاوض" من أجل التوصل إلى حلول بشأن الأزمة.

وكانت جلسات التفاوض توقفت في نهاية أغسطس الماضي، بعد بدء أديس أبابا، بشكل أحادي، مرحلة تخزين المياه في بحيرة السد في الأسبوع الأول من أغسطس.

ويأتي استئناف المفاوضات الشاقة التي امتدت أعواماً دون التوصل إلى نتيجة واضحة وسط اتهامات لأثيوبيا بالسعي لفرض أمر واقع وإكمال بناء السد العملاق وتشغيله دون التوصل إلى اتفاق ملزم مع دول المصب، بعد أن حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن الأزمة قد تتسبب في تحركات عسكرية من جانب مصر إذا لم تتمكن من التوصل لاتفاق.

وقال ترامب الجمعة الماضية: "إنه وضع خطير جداً لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة... وسينتهي بهم الأمر بتفجير السد".

تعميق التعاون

من جانب آخر، لفت المتحدث الرئاسي المصري إلى أن اللقاء تضمن عدداً من الملفات الأخرى، إذ شدد السيسي على الروابط الأزلية التي تجمع شعبي وادي النيل، والترابط التاريخي بين مصر والسودان، ووحدة المصير والمصلحة المشتركة التي تربط بين الشعبين الشقيقين.

وأكد على الموقف المصري الاستراتيجي الثابت الداعم لأمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق، وحرص القاهرة على مواصلة التعاون والتنسيق مع الخرطوم في جميع الملفات محل الاهتمام المتبادل، والدفع نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية، من أجل شعبي البلدين.

ولفت السيسي إلى مساندة مصر لإرادة وخيارات القيادة السياسية في السودان في صياغة مستقبل بلادهم، ورحب بكل الجهود التي من شأنها مساعدة السودان على مواجهة الأزمة الاقتصادية لما فيه مصلحة الشعب السوداني، إضافة إلى تحقيق الاستقرار والسلام الإقليميين.

من جهته، أشاد الفريق البرهان بالروابط التاريخية المتأصلة بين مصر والسودان، وأشاد بالجهود المتبادلة لتعزيز أواصر التعاون المشترك بين البلدين، وأكد حرص بلاده على مواصلة التنسيق مع القاهرة في مختلف الملفات. وأعرب عن تقدير بلاده للدعم المصري غير المحدود للحفاظ على سلامة واستقرار السودان ومؤازرته للنجاح في المرحلة الانتقالية الراهنة.

وبدا أن مجالات التعاون الاقتصادي على أولوية الأجندة المصرية والسودانية، إذ كان لافتاً حضور وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري محمد شاكر، لقمة السيسي والبرهان.

وعلمت "الجريدة" أن السودان يريد المضي قدماً في الحصول على مزيد من الكهرباء المصرية، بعد نجاح التشغيل الفعلي لخط الربط الكهربائي بين البلدين في أبريل الماضي، بقدرة 70 ميغا وات في الساعة، والمتوقع زيادتها إلى 300 ميغا وات في الساعة.

أبعاد متعددة

وحول تقييم زيارة البرهان للقاهرة، قالت مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام السياسية والاستراتيجية، د. أماني الطويل، لـ "الجريدة"، إن الزيارة لها أكثر من بعد، فهي تستهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتقديم الخبرة المصرية للسودان في مختلف مجالات التنمية، خصوصا مجال الربط الكهربائي، فضلاً عن دعم الخرطوم في مسارها السياسي الحالي.

وتابعت الطويل: "لكن أهم ما تمخضت عنه هذه القمة هو بلورة ما يمكن وصفه بالموقف الموحد بين مصر السودان في ملف سد النهضة، وبعث رسالة واضحة إلى إثيوبيا والاتحاد الإفريقي بوجود توافق مصري سوداني في الرؤى بين البلدين فيما يتعلق بسير المفاوضات، وأن المطالب واحدة من الطرفين للسير في مسار واضح ومحدد ينتهي بتوقيع اتفاقية نهائية وعادلة".