ما أغلى من «حبة الخشم» إلا «صوت» الناخب
• عادة أصبحت في زمن «كورونا» محظورة طبياً ومجرَّمة قانونياً
• الحلف بـ «الطلاق» يمين تطرب له أذُنا المرشح من ناخبيه
«كيف السبيل إلى وصالك دُلني»، هو لسان حال المرشح في سعيه للوصول إلى ناخبه، بعدما غيبت جائحة «كورونا» مشاهد عدة ومعتادة في كثير من العادات الاجتماعية التي يمارسها أفراد المجتمع الكويتي في مختلف لقاءاتهم من أفراح وأتراح، وأحد تلك اللقاءات «موسم الانتخابات» النيابية، الذي كثيراً ما يصاحبه ظهور وحضور لمشاهد مكثفة للعادات الاجتماعية، فتنشط فيه زيارة المرشحين لناخبيهم في الدواوين، وتتوالى دعوات العشاء للمرشحين على شرف ناخبيهم في مقارهم الانتخابية ودواوينهم.لكن في عام 2020 أتى ما لم يكن في الحسبان أو يخطر على البال، إذ حل فيروس «كوفيد- 19» في أرجاء المعمورة، فقطع حبال الوصل والرجاء التي كانت تبنى عليها آمال النائب قبل المرشح في السنة الأخيرة من عمر المجلس الدستوري، فأصبحت الدواوين كالسراب، وباتت إحدى أبرز العادات المتبادلة بين المرشح وناخبيه في موسم الانتخابات ذات خطورة عالية علمياً، ومحظورة طبياً، ومجرّمة قانونياً بأحكام وعقوبات مغلظة، وإن كان الإقدام عليها لدى البعض في زمن ما قبل «كورونا» هو بمنزلة «صك، وعهد وثيق» بين طرفيه، فإن الإقدام عليها اليوم أصبح ذا كلفة عالية بين أي شخصين، وقد تقودهما إلى «التهلكة».ورغم كل هذه المخاطر التي تسبق الإقدام على تلك العادة فإن مشهدها سيكون موجوداً رغم كل المحاذير، وإن تفاوتت نسبة حضورها ومشاهدتها في موسم الانتخابات، إذ شوهدت تحت قبة البرلمان في قاعة عبدالله السالم بين عضوين في أوج أزمة «كورونا» وعلى مرأى ومسمع أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتحت أضواء «فلاشات» كاميرات وسائل الإعلام، حتى تضمنها تقرير مصور لإحدى جلسات المجلس أرسله وزير الصحة إلى رئيس البرلمان للوقوف على ممارسات أعضاء السلطتين أثناء انعقاد الجلسة.
«حبة الخشم»، عادة اجتماعية أصبحت في الوقت الراهن ذات كلفة عالية بين المرشح والناخب، بصفتها أحد أقرب أنواع المخالطة المباشرة في زمن صارت الدعوة الى «التباعد الاجتماعي» في ظل «جائحة كورونا» عادة اجتماعية وإحدى سبل الوقاية من الإصابة بالفيروس، فتعتبر «حبة الخشم» أحد أقوى البراهين بين طرفي المعادلة «المرشح والناخب» لاسيما في موسم الانتخابات، وإن كانت تعد وسيلة تعبير في أغلب المناسبات الاجتماعية الأخرى عن التقدير والاحترام التي يكنها طرف للأخر، فإنها في موسم الانتخابات تحمل تأويلاً آخر، فهي تأتي من باب «مؤازرة» الطرفين لبعضهما، ودلالة مهمة على ضمان حصول المرشح على صوت ناخبه، وفي حال أتت من المرشح للناخب، فإنها تكون بمنزلة ضمانة بأن الأول لن يترك الأخير في حال احتاج إلى وساطته.وإن كانت «حبة الخشم» تستخدم من قلة قليلة من الناخبين «للعب على الحبلين» كما يسمى، بين عدد من المرشحين لاسيما في ظل النظام الانتخابي الحالي «الصوت الواحد»، لتكون بمنزلة رجعة للناخب لأحد المرشحين الذين حالفهم الحظ وأصبحوا نواباً في البرلمان، وذلك تحسباً لسقوط المرشح الذي أدلى الناخب بصوته له في واقع الأمر، وإن كان هذا التصرف الأخير منبوذاً لدى الكثيرين، فإنها وقائع تحدث في المجتمع من البعض لتحقيق مصالحهم الشخصية.لكن في ظل كل هذه المحظورات التي أصبحت عائقاً أمام برهان «حبة الخشم»، فإن هناك برهاناً آخر يبرز في «موسم الانتخابات» ويعد أقوى من الأول، وهو أمر إن أطلق له العنان فلن تكون فيه رجعة وسيقع لا محالة، إلا بـ «تكفير ذنب»، ألا وهو حلف اليمين بـ «الطلاق» بأن يدلي الناخب بصوته لمرشح واحد بعبارته «علي الطلاق ما يتعداك الصوت»، وهنا ولا شك بعد هذا الفعل سيدخل الناخب في قائمة مضامين المرشح، وسيعد رقمه من قائمة «صفر المرشح» وهي القائمة التي يدخل فيها المرشح للانتخابات وهو ضامن أن أدنى رقم سيحصل عليه بعد فرز الأصوات هو رقم قاعدته التي تسمى بـ «الصفر».وإن كان التصور أن تتراجع زيارة الدواوين في ظل «جائحة كورونا»، مما يخفف من مشهد «حبة الخشم» والاستعاضة عن الزيارات بـ «الاتصالات الشخصية» مما ينشط الحلف بـ «الطلاق» يميناً عبر الاتصالات، وسيكون بمثابة ما تطرب له أذُنا المرشح من ناخبيه، فإن «حب الخشوم» آتٍ لا محالة يوم الاقتراع وليلة إعلان النتائج الرسمية للفائزين بعضوية مجلس الأمة، فالمشاهد في الفيديوهات التي ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي عقب إعلان تزكية التشاوريات ليست ببعيدة عنا، وربما ستجتمع العادتان معاً «حبة الخشم» و»الحلف بالطلاق» في آن واحد لمرشح واحد، في زيارات بعض المرشحين لدواوين قواعدهم الانتخابية، ليحصل المرشح على «ما تمنى مهنا»، وبذلك يكون للمرشح مراده، وما أغلى من «حبة الخشم» إلا صوت الناخب.