في أحد صباحات يناير عام 2015، في شارع نيكولا-إبير، الذي يقع في الدائرة الحادية عشرة الباريسية، تحديدا في البناية رقم 10، وصلت لمقر صحيفة أسبوعية ساخرة تدعى «شارل إيبدو»، وفي اليوم المذكور كانت الشرطة الفرنسية، ترفع ضحايا وقتلى الهجوم الذي شنه اثنان أو ثلاثة أشخاص على مقر الصحيفة، انتقاما لنشر رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونرجع الى الوراء في عام 2011، حيث ألقيت بعض القنابل الحارقة على مقر الصحيفة ذاتها، وفي 2006 تلقت الصحيفة تهديدات عديدة، بعد نشر صور مسيئة للرسول أيضا.تأملوا معي العقلية السياسية الفرنسية في حوادث عدة للصحيفة نفسها لم تسلم من الأذى، ردا على ما هو أكبر من ازدراء الأديان، ألا وهو سب النبي محمد الكريم، عقلية سياسية مراهقة، هشة وسطحية، تمارس أشنع صور العنصرية بدعوى الحرية، فأصبحت الرسومات الآن على مبان حكومية وكبرى الشوارع الباريسية، وهنا أترك لمخيلة حضراتكم تأمل الأحداث.
الخبراء العسكريون يعرفون جيدا نظرية الذئاب المنفردة، أو ما يسمى بالإنكليزية «جيش الرجل الواحد»، وفيها أن يأتي شاب أو ربما أكثر، يحملون سلاحا، ويطلقون النار، أو يدهسون أو يطعنون، وربما يقطعون رأس رجل جديد، تنكيلا وانتقاما للنبي محمد، ومن ثم يرجعون يتناولون عشاءهم بين أولادهم، وكأن شيئا لم يحدث، أهكذا تُدار الدول؟رئيس دولة يعلن صراحة أن الشخص المقتول انتقاما يمثل سياسة فرنسا، وأنه قتل تحديدا لأنه يمثل فرنسا!! أتعلمون مدى خطورة الموقف، واستفزاز مشاعر ملياري مسلم حول العالم؟ نحن لا نقر القتل على الهوية ولا العنصرية، كذلك لا نستبيح الدماء ولا ندعم إرهابا، هذا هو ديننا وهذا هو نبينا.قارن معي عزيزي القارئ موقف «ماكِرون» بكسر الكاف، بموقف رئيسة وزراء نيوزيلندا، في أعقاب حادث المسجدين، حيث قتل أكثر من خمسين مسلما وهم يصلون مسالمين عُزلا، ولم يسبوا دينا ولا يحقرون ديانة، تأملوا هنا أيضا العقلية حين تدير وتمتص الأزمات، نعم لا نقر القتل ولا الإرهاب ولا نحض على العنف ولكني بصدد الكشف عن سطحية الإدارة الفرنسية، والمراهقة السياسية، والحالة الواضحة من إخراج الضِغن والكراهية للمسلمين، فمن المعروف حينما يخطئ فرد عادي فضلا عن دبلوماسي بحق دولة ما، أو يظهر عداوة أو كراهية، يقوم الطرف الآخر بسحب السفير، وطرد سفير الدولة الأخرى، بل في بعض الأحيان تغلق سفارات وقنصليات وتقطع علاقات.والسؤال هنا: من مـِن بلادنا العربية المسلمة، يقوم بدور وزير الخارجية للدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يُدافع ويَدفع الأذى؟تكتب هذه السطور بعد سماع خطبة الجمعة من الحرم المكي، والتي لم تتطرق بكلمة الى الإساءة الفرنسية للنبي محمد، فأين الاستنكار والإدانة والشجب والرفض ومشاعر الغضب الصحي، الغضب الذي يحفظ للأمم كرامتها؟ وأين دور بلادنا في تجريم مثل تلك الأفعال، لكي لا نضطر لتجريم القتل أيضا؟ ومن يعلم النشء إن صمتم؟بالله أدركوا اللحظة الفارقة، أم أن التعاونيات خير من الحكومات، ففي الوقت الذي أعلنت بعض التعاونيات في بلدنا الكويت الحبيبة مقاطعة البضائع الفرنسية، لم نسمع من بلادنا ما يرضي الله في هذا الموقف، وقبل أن نختم، لا نسطيع إلا أن نحيي أصواتا برلمانية من بعض النواب دانوا الفعل وجرموه، بل طالبوا الخارجية باتخاذ موقف من هذا العداء الصريح، والإهانة الواضحة.قال تعالى «إنا كفيناك المستهزئين»، فمن يكف أذى المسيئين لإسلامنا ورسولنا الكريم؟ ومن يكون وزير خارجية يستنكر ويذب عن النبي، فتعلم فرنسا حينها، أنها أبدا لم تتعلم؟
مقالات - اضافات
«خطاب الكراهية... وفرنسا التي لا تتعلم»
30-10-2020