وجهة نظر : الهيمنة الحكومية... والتنمية!
تُعد الهيمنة الحكومية على قطاع الخدمات العامة بالدولة من أهم أسباب تعثر أو فشل خطط ومشاريع التنمية، بسبب تعدد سلبياتها وكلفتها المالية العالية. فمع تلك السيطرة الحكومية على قطاعات الخدمات بالدولة، نرى بكل وضوح استمرار سيادة الإدارة الحكومية على تلك القطاعات. وكما هو سائد، فإن الإدارة الحكومية غالبا ما تكون مسؤولة عن انخفاض مستوى جودة الخدمات وزيادة الإنفاق الحكومي، نظير استمرارية تقديم تلك الخدمات. وبسبب الهيمنة الحكومية، تعززت سلبيات فلسفة "البيروقراطية" على قطاع الخدمات العامة بشكل واضح، من خلال صعوبة الحصول على تلك الخدمات، حيث يتعيَّن على المواطنين المرور عبر عدة قنوات بيروقراطية مختلفة وطويلة، للوصول في النهاية إلى الخدمة الأساسية، لأن جودة تقديم الخدمة في فلسفة الإدارة الحكومية لم تكن المعيار في معظم الحالات! ويتجلى ذلك بكل وضوح حينما يجد المواطن نفسه مرغما للذهاب من مبنى حكومي إلى مبنى حكومي آخر، كي يتمكَّن من إتمام وإنجاز خدمة معينة!
ومن منظور اقتصادي، فإن مفهوم الدولة الريعية تعزز من خلال الهيمنة الحكومية على قطاع الخدمات العامة، التي انعكست سلبا على سوق العمل، فقد تضخمت قوة العمل الوطنية بشكل ملحوظ بالقطاع الحكومي، بسبب تلك السيطرة على معظم القطاعات بالدولة، وبالتالي أدَّى ذلك إلى انخفاض عدد الوظائف المتاحة بالقطاع الحكومي، وعزوف المواطنين في نفس الوقت عن العمل خارج القطاع الحكومي. لكن يجب الإشارة إلى أن عدداً من الدول الريعية نجحت في قلب هذا المفهوم عن طريق تقييد نمو الهيمنة الحكومية على قطاع الخدمات، من خلال سياسات اقتصادية تمحورت حول رفع كفاءة الخدمات العامة وتخفيض الإنفاق الحكومي.إن من أوضح سلبيات الهيمنة الحكومية، هو عدم القدرة على تطوير تلك الخدمات العامة، ففي غالب الأحيان لا تشجع الإدارة الحكومية آلية الحلول المبتكرة التي تطور نمط الخدمات، بقدر ما يشجعها القطاع الخاص، وبالتالي تصبح دورة تطوير الخدمات بطيئة جداً مقارنة مع القطاع الخاص، الذي يتميَّز بالتطوير المستمر لرفع جودة الخدمة مع تقليل التكلفة! ومثال على ذلك خدمة الهواتف المتنقلة في الكويت، التي كانت منذ النشأة من اختصاص وزارة الإعلام، ويعلم مَنْ كان لديه هاتف نقال آنذاك ضعف خدمة التغطية، وحجم المُعدات الملحقة للهاتف، لكن كل هذا تغيَّر جذريا مع انطلاق شركات الاتصالات المتنقلة، التي وفَّرت شبكة خدمة ذات تغطية أكبر، وأجهزة هواتف أحدث. ومع دخول عدة شركات منافسة أخيرا، أصبحت الكويت رائدة في تقديم خدمة الاتصالات المتنقلة!وختاماً، نطالب الحكومة بأن تركِّز على ضرورة إفساح المجال للقطاع الخاص للعب دور أكبر في قطاع الخدمات العامة، كما هو معمول به في دول الجوار الخليجية، كي يحالف النجاح مشاريع التنمية وخطة الدولة المستقبلية!- أكاديمي وباحث اقتصادي