وسط تشكيك من قبل قوى المعارضة الداخلية، وفتور تجاه ما يصفونه بـ"الإجراء الصوري الزائف"، انطلقت عملية التصويت في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور الجزائري بالخارج أمس.وذكرت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، في بيان، أن مكاتب التصويت التابعة للدوائر الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، فتحت أبوابها أمام الجاليات الجزائرية في دول الإمارات والعراق، وسورية، والسعودية، والكويت، وقطر، ومصر، والبحرين، وسلطنة عمان، وروسيا، والنيجر، والمكسيك.
وفي الداخل، أفادت السلطات بتواصل عملية الاستفتاء في المكاتب المتنقلة بأقصى الجنوب في كل من ولايات أدرار، والأغواط، وبشار، وتمنراست، ورفلة، وإليزي، وتندوف، الوادي والنعامة. وأعلنت سلطة الانتخابات أن نسبة المشاركين بالاستفتاء في المكاتب المتنقلة بيومها الأول بلغت 11 في المئة.جاء ذلك عشية انطلاق التصويت على الدستور الجديد بجميع الولايات الجزائرية امس.ويقصر الدستور الجديد فترات الرئاسة بولايتين فقط، ويعطي المزيد من الصلاحيات للبرلمان والقضاء، ويسمح للجيش بالتدخل خارج الحدود.وينص التعديل الجديد للدستور على سلسلة من الحقوق والحريات، من المفترض أن يلبي تطلعات "الحراك الشعبي"، المناهض للطبقة الحاكمة، مع الحفاظ على أساسيات النظام الرئاسي وتوسيع صلاحيات الجيش.بينما ترى السلطات الجزائرية أن الدستور الجديد جزء أساسي من استراتيجيتهم لتجاوز الاضطرابات الشعبية التي حدثت العام الماضي، وحالت دون ترشح الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، يعارض كثر من مؤيدي "الحراك الشعبي" الدستور المقترح، ويعتبرونه ملهاة هدفها صرف الانتباه عن استمرار سيطرة النخبة الحاكمة القديمة على السلطة.وتحشد القوى المؤيدة لتمرير مشروع الدستور الجديد عبر ملصقات على الجدران تقارن بين اللحظة الراهنة، وانتفاضة نوفمبر 1954 ضد الحكم الاستعماري الفرنسي، باعتبارها لحظة للتجديد الوطني.ورغم أن الاستفتاء لا يحتاج سوى أغلبية بسيطة من أصوات من يدلون بأصواتهم لإقراره، فإن الرئيس عبدالمجيد تبون وغيره من كبار رجال الدولة يضغطون من أجل نسبة إقبال كبيرة، لإظهار أن الدستور الجديد يحظى بالدعم الشعبي.وضغط تبون، الذي نُقل إلى مستشفى في ألمانيا الأسبوع الماضي، من أجل إجراء الاستفتاء في إطار مساعيه لطي صفحة الاحتجاجات الجماهيرية التي أطاحت بسلفه وزلزلت النخبة الحاكمة.
انقسام إسلامي
وخلافاً للمعارضين الذين يطالبون بمقاطعة الاستفتاء على تعديل الدستور، يشارك الإسلاميون لكن للتصويت بـ"لا"، لأن المشروع في نظرهم "علماني". وعشية الاستفتاء على الدستور، يبدو التيار الإسلامي منقسماً.فمن ناحية، أولئك الذين يدينون النص، لأنه يشكل خطراً على "قيم المجتمع الجزائري"، وهم الأكثر عدداً، ومن ناحية أخرى، أولئك الذين هم على استعداد لتقديم شيك على بياض للنظام.ودعت حركة "مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي والقوة المعارضة الرئيسية في البرلمان، إلى التصويت بـ"لا".وسردت الحركة التي تتبنى فكر جماعة الإخوان المسلمين، الأسباب في: "تركيز السلطة في يد الرئيس، وعدم الفصل بين السلطات، وعدم إدراج حظر استخدام اللغة الفرنسية في المؤسسات والوثائق الرسمية".الدستور الجديد "مدنس جداً"، لأنه "يكرس علمانية المدرسة والمسجد"، كما استنكر المتحدث باسم الحركة بوعبدالله عجمية.كما حث حزب أكثر تشدداً، جبهة "العدالة والتنمية"، وهي القوة السياسية الإسلامية الثانية، على رفض التعديل الدستوري.وندّد رئيسها عبدالله جاب الله، بـ"دستور علماني مبادئه غير مقبولة في مجتمع مسلم"، وسبب "ضرراً كبيراً" لعقيدة الجزائريين.من ناحية أخرى، هناك تشكيلتان إسلاميتان صغيرتان أخريان، هما "حركة الإصلاح"، و"حركة البناء"، تدعوان للتصويت بـ"نعم" على التعديل.بالنسبة للحزب الأول لأنه، "يحمل مطالب ديمقراطية حقيقية عبر عنها الجزائريون"، لاسيما من خلال "الحراك" الذي توقف بسبب وباء "كوفيد 19".والثاني لأنه يعتبر أن المشروع "يشكل الخيار الأفضل للشعب".