كيف تؤمن الصين احتياجاتها من النفط في إفريقيا؟
في عام 2004 تجاوزت الصين اليابان لتصبح ثاني أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير لـ 20 عاماً قضتها شركات السيارات الأميركية في إقناع أكبر عدد ممكن من الصينيين باستبدال دراجاتهم النارية بالسيارات أميركية الصنع التي تستهلك كميات أكبر من الوقود.هذا معناه أن الصين ستضطر إلى استيراد حوالي 80 في المئة من إمداداتها النفطية، مما يجعل اقتصادها رهينة علاقاتها مع الولايات المتحدة التي كانت تتمتع في ذلك الوقت بنفوذ قوي في سوق النفط يمكنها من تحريكه أو على الأقل التأثير عليه.وبعد الغزو الأميركي للعراق استشعرت الصين الخطر وسارعت إلى تبني استراتيجية تمكنها من تأمين احتياجاتها من الخام، باختصار أصبح النفط قضية أمن قومي ذات أولوية قصوى بالنسبة للصين.
نحو إفريقيا
بدأت الحكومة الصينية في مطلع الألفية الثالثة في تنفيذ استراتيجية وطنية للحفاظ على أمنها الطاقي تضمنت عدة آليات من بينها إرسال شركات النفط الحكومية إلى الخارج للمشاركة في أنشطة التنقيب والاستخراج، ومد أنابيب النفط والغاز عبر آسيا الوسطى وروسيا لتوفير إمدادات برية طويلة الأجل من الخام.بالتوازي، قادت الصين جهوداً دبلوماسية ناجحة في البلدان الإفريقية الغنية بالنفط، في تحدّ واضح وصريح للهيمنة الأميركية والبريطانية في القارة السمراء، كانت كثير من البلدان الإفريقية المستهدفة مرهقة مالياً واقتصادياً خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؛ بسبب الديون الخارجية والشروط الاقتصادية المرهقة التي فرضها عليها صندوق النقد الدولي. في عام 1999 كان حجم التجارة البينية بين الصين وإفريقيا لا يتجاوز 6 مليارات دولار، لكنه سرعان ما ارتفع إلى ما يقرب من 30 مليار دولار في 2004 مقارنة مع 59 مليار دولار هي حجم التجارة البينية بين إفريقيا والولايات المتحدة، لكن تبدل الحال الآن وأصبحت الصين اليوم أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا، حيث ضخت ما يقرب من تريليوني دولار في القارة منذ 2005.من خلال تقديم قروض بدون فوائد أو عروض لبناء مشاريع البنية التحية مثل محطات المياه والطرق السريعة والمدارس والمستشفيات نجحت بكين في تأسيس تحالفات تجارية رئيسية في جميع أنحاء إفريقيا. بعد أن قدمت للأفارقة أموالاً سهلة ضمن اتفاقات أيسر بكثير من ناحية الشروط مقارنة باتفاقات صندوق النقد، وجدت الصين أبواب صناعة النفط في إفريقيا مفتوحة أمامها على مصراعيها.دفعت التحركات الصينية في إفريقيا المؤسسة البحثية الأميركية «هيريتج فاونديشن» إلى دق ناقوس الخطر لدى إدارة الرئيس الأميركي السابق «جورج دبليو بوش» لتحذيره من خطط الصين المحتملة في سوق الطاقة.وأشارت المؤسسة إلى أن 25 في المئة من إجمالي واردات الصين النفطية تأتي من إفريقيا التي حرصت بكين على بناء علاقات قوية مع زعمائها من خلال ضخ كم هائل من الاستثمارات.في عام 2004 تحديداً قامت الصين بتحركات دبلوماسية غير مسبوقة شملت 12 زيارة متبادلة بين كبار المسؤولين الحكوميين في الصين وعدد من الدول الإفريقية. وفي نفس العام زار الرئيس الصيني السابق «هو جينتاو» الجزائر والغابون ونيجيريا، وجميعها دول غنية بالنفط.منحت الصين أنغولا في عام 2004 قرضاً بقيمة ملياري دولار مقابل أن تزودها الدولة الإفريقية بـ 10 آلاف برميل من الخام يومياً، في حين تم استثمار القرض في مشاريع البنية التحتية التي نفذت 70 في المئة منها شركات صينية، فيما نفذت الشركات المحلية الجزء المتبقي. وفي عام 2005 أبرمت شركة النفط الحكومية الصينية «بتروتشاينا» صفقة بقيمة 800 مليون دولار مع شركة النفط الوطنية النيجيرية مقابل 30 ألف برميل من النفط يومياً لعام واحد.المثير للاهتمام حول هذه الصفقة هو أن نيجيريا كانت ينظر إليها في واشنطن باعتبارها ملكاً لشركات النفط الأنجلو أميركية العملاقة، «إكسون موبيل» و»شل» و»شيفرون»، ولكنها لم تعد ذلك منذ تلك اللحظة، وخصوصاً بعد أن اشترت المؤسسة الصينية للنفط البحري (CNOOC) حصة قدرها 45 في المئة في حقل نفط وغاز بحري في نيجيريا مقابل 2.27 مليار دولار في يناير 2006.من المحطات المهمة في تاريخ الوجد الصيني في إفريقيا، هي القمة الإفريقية الصينية التي استضافتها بكين في نوفمبر 2006 بحضور ممثلين عن 48 دولة إفريقياً من بينهم 43 رئيس دولة، وبعد القمة بوقت قصير، قام وزير الخارجية الصيني «لي تشاو شينج» بجولة في 7 بلدان إفريقية، هي بنين وغينيا الاستوائية وغينيا بيساو وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا وبسوانا، بغرض تعزيز العلاقات التجارية.من جهتها اتهمت واشنطن التي كانت تراقب عن كثب التحركات الصينية في القارة السمراء الصين بمحاولة تأمين احتياجاتها من النفط من مصادره، وهو الاتهام الذي أثار استغراب الكثير من الخبراء وذلك في ضوء حقيقة أن هذا بالضبط ما تفعله الولايات المتحدة منذ قرن على الأقل.بعد عام 2007 ومع تعرض الهيكل الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة لأسوأ أزمة منذ الكساد الكبير، احتاجت دوائر السياسة الأميركية بوضوح وبشكل عاجل إلى استراتيجية جديدة من أجل محاولة السيطرة على النمو المتسارع للتواجد الصيني في إفريقيا، ولكن أمام عزم بكين وخطواتها المدروسة فشلت الولايات المتحدة في تحجيم الصين التي أصبحت اليوم الدولة الأجنبية صاحبة التأثير الأقوى في القارة السمراء.