● حدثيني عن سنوات النشأة الأولى في الجزائر وكيف كانت سبباً في اتجاهك لاحقاً إلى ساحة الأدب.
-وُلدت بمدينة أولاد سيدي إبراهيم المعروفة "الديس" عام 1974. عالمي كان منزل والديّ، ذاك السقف الذي أنعم تحته براحةٍ، أب عطوف، رحيم، متفهم بل أكثر، هو صديق، بحر كلما غصت وجدت كنوزاً من المعرفة والخبرة، وهبني من الحب ما يغنيني ويجعلني أدخل غمار وصراع الحياة بكل فخر وقوة، ولا أعترف بالملل ولا الكسل ولا الخضوع ولا طأطأة الرأس ما دمت على حق، وأن أواجه وأجابه كل مخاوفي لأنه صراع البقاء.ومع وصولي مرحلة المراهقة، بدأت تتجلى الصور وأكتشف كل مظاهر العالم الخارجي في المجتمع، فولدت معي الكتابة بالفطرة، ونمت وتطورت حسب الأحاسيس المعيشة؛ من تجارب إنسانية. ومن خلال التدريب والمطالعة عبر السنوات اكتشفت الموهبة وطلعت للنور بأعمال منها الخاطرة، والقصة، والقصة القصيرة جداً، والومضة، وشعر الزجل، وقصيدة النثر، ثم المقالة، فالرواية. وأرى أن الكتابة روح أنثى، سيل نهر يتقدم بهدوء، يحفر مساره في الأعماق ليعطينا نوراً من أبعادٍ أخرى.● يتنوع إبداعك بين الشعر الفصيح والعامي والقصة القصيرة... على أي أساس تختارين الجنس الأدبي المناسب لتفريغ أفكاركِ؟
-الكتابة فن إبداعي بين الواقع والخيال، يتحدى فيه الكاتب ذاته بإيصال أفكاره ورسائله للقارئ بطريقة سلسة، ساحرة، تقصي النمطية والتكرار بأسلوب جديد غير مألوف، وتعد رؤى شخصية ومدى انفعال الفكر في لحظتها مع قضاياه الشخصية أو المجتمعية، وأحيانا تشبه رذاذ المطر، يبدأ يتساقط ببطء حتى ينهمر، فيسقي أرواحاً ظمأى لقراءة نصٍ إبداعي، حيث له جاذبية لا يمكن مقاومتها باختلاف الفنون الإبداعية من كل جنس أدبي، بالنسبة إلى كتاباتي يعتبر الألم وقوداً محفزاً لملكة الكتابة، بما يختلج الذات والوجدان، وحين تغرق الآه في حبر الورق يأفل القلق. فالكاتب لا يختار لحظة انسجامه مع إلهامه، بل هو قناص لأفكار تومض في أفق المخيلة وتتشابك مع المشاعر فيحولها لدرر منثورة، حسب فيض نهر المفردات من قاموسه اللغوي، فتبهج المتلقي كفلق الصبح.أما إذا جاءت الكتابة وظيفية، كمقالة تعتبر كتابة إعلامية، تخبر القارئ على أمر ما، تعتمد لغة خبرية، تقريرية، رسمية، لا جاذبية فيها، ولا تترك أثراً عاطفياً، فتعد كتابة لها قواعد أكاديمية وأصول تنتهي المصلحة بوجود المنفعة منها وفقط.● هجرتك إلى فرنسا منذ 2003، هل كان لها أصداء على نصوصك الإبداعية؟
-الغربة عن الوطن تعد عيناً ثالثة على الحياة، تهب الكاتب المبدع كثيراً من المزايا من دون شك، باختلاطه مع العديد من الثقافات، تجعله التجربة إنساناً ذا فطنة، لديه وعي بكل ما يدور حوله، حدسه قائم لا يخطئ، نظرته للحياة تختلف، ينفتح العقل على مدارك أخرى، ومنها ينمي الكاتب مهاراته ويبدع أكثر.فمن خلال تجربتي الإبداعية كتبتُ عن الإيجاب والسلب، وكتبت في القصص عن العشرية السوداء في الوطن الجزائر خلال مطلع التسعينيات، ومدى التمييز العنصري في ديار الغربة، ومعاناة المرأة المسلمة المحجبة وسوء التعامل معها في العمل، وعن المواد المحرمة في المنتوجات، وصراع الأديان والطوائف، وكذا المفارقات الإنسانية في التعامل بمختلف القطاعات كالطب والدراسة، والتعليم والمناهج، وحتى المواقف، ومن خلال الخوض في بحر علوم الحياة مداً وجزراً. والغربة أحد مفاتيح بوابة الإبداع لتجلي الأفكار، وصقل المعلومات، وتهب الغربة لقلم الكاتب نماءً لا حد له، في تطور مستمر بتسارع الأحداث واشتباك وتلاقح الأفكار، كما أننا ننقل أفكارنا وقيمنا ورسائلنا للمجتمع الآخر بطريقة أو أخرى من خلال احتكاكنا المباشر، أو عبر ترجمة كتاباتنا، كان لنا فضل في إيصال ما نؤمن به، والحصيلة أن للغربة تأثيرا كبيرا على تطور الكاتب فكرياً ونفسياً وروحياً.● ترجمة بعض أعمالكِ إلى لغات كالفرنسية والإنكليزية والعبرية، هل منحت نصوصكِ الشعرية انتشاراً وفرصة للتعاطي مع متلقٍّ له ذائقة مختلفة؟
-اللغة العربية كيان قائم بذاته، مهما تعددت الترجمات إلى لغات أخرى، علماً أن أعمالي تُرجِمت للفرنسية، والإنكليزية، والعبرية، والإيطالية، لكن دائماً يكون وقع الترجمة أقل من النسخة الأصلية، لأن للكلمة الواحدة بحورا من المرادفات، ولها جرس موسيقي، تفقده النصوص المترجمة، ومهما حاول المترجم إيصال ما جادت به قريحة الكاتب، فإنه يفشل لا محالة، ببساطة لأنه لا يعيش نفس انفعالاته الوجدانية مع الشّعر مثلما أحس بها الكاتب.وتحتاج الترجمة عيناً خبيرة ملمة باللغة وأدواتها، ويفضل أن يكون شاعراً متمكناً ليستطيع توصيل الفحوى، بخاصة في النثر، لأنه الأصعب وغني بالمجاز والصور البيانية، قد يوفق المترجم وقد يخيب. كما شاركت كتجربة أولى عام 2003 في أمسيات كان لها صدى جميل في نفوس الحاضرين، كما أن لي قراء من الجاليات العربية التي تعيش بالمهجر ولا تتقن القراءة بالعربية، ويبقى العمل الجيد هو الذي يفرض نفسه حتى بعد رحيل صاحبه، لأن الأرواح عطشى لما هو نوراني، مميز، يعيد للنفوس انسجامها مع الفكر، للسلام النفسي، للرحمة والعطف، وأن نعيد تأهيل أفكارنا من الفطرة السليمة التي خلقنا بها الله، وهذا ما يسعى قلمنا جاهداً إلى تحقيقه ولن يهدأ أو يصل بعد، لأن سلم الإبداع دائماً يتطلع للارتقاء، والأفضل.● منذ ولادة ديوانكِ الأول "غياهب الدجى" (2017)، كيف كانت قصيدة النثر وسيلة لإطلاق العنان لمشاعركِ وأفكاركِ التي تؤمنين بها؟
-قصيدة النثر تعد جواز سفر إلى قلوب القراء من دون عناء، لأنها تتحرر تماماً من الوزن والقافية، ومن نظام التفعيلة الخليلي، فميلاد هذا النوع من الشّعر يعتبر تمرداً على المألوف وخروجاً من دائرة الموزون، يعد انعتاقاً من القواعد الصارمة، نجده في كل من كتابات الأديب جبران خليل جبران، وأمين الريحاني، ومحمد الماغوط، ويوسف الخال، وأنسي الحاج، وأدونيس وغيرهم.ولشدة قوته في إيصال الرسالة للمتلقي وجدنا أنه يصلح لجميع الأغراض الحياتية المتعددة، لأنه يعتبر لغة السياسة، والخطاب، والعلم، والدين. وكتبتُ في أفكار مختلفة وكثيرة منها ما هو مجتمعي ونفسي وديني وحتى وطني، كتبت عن الإنسانية، والرحمة، وبشاعة القهر والظلم، ومخاوف المرء في مواجهة ذاته، وأمور كثيرة كالحروب وآلامها، ونور الحب في المطلق، فالقارئ لـ"غياهب الدجى" يدرك تماماً تطور قلمنا تدريجياً لما هو أسمى وأرقى من خلال المتابعة الدائمة لكل جديد.● ما أكثر ظاهرة تزعجكِ في الساحة الأدبية العربية؟
-الساحة الأدبية العربية اليوم أعطت اهتمامها الكبير للتركيز على المسابقات، والجوائز، ما دفع بأقلام كثيرة للابتعاد عن جودة النوعية وأخذ الكم سطوة بين الحبر والورق، مقصياً أقلاماً ذات قيمة أدبية رفيعة الهيبة من النخبة.فعالمنا الأدبي المعاصر لجأ لتزكية الرواية عن الأجناس الأدبية الأخرى، ووهبها بعداً وارتقاء من خلال المسابقات المغرية، حيث لجأ الكتاب لعالم الخيال والبعد عما هو أرضي ثابت، كما تفتقر الساحة الأدبية للنقد الجاد لفلترة الجيد من الغث من خلال أساتذة ونقاد لهم كلمتهم الفصل، لتطهير الباحة مما نراه من سخافات وحمق في الكتابة.● ماذا في جعبتكِ الأدبية وقد يخرج للنور قريباً؟
-ديوان نثري، ومجموعة قصص قصيرة جداً، ورواية.