في خضم نشاط دبلوماسي وعسكري مكثف بين القاهرة والخرطوم، عقب تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترامب من احتمال قصف مصر سد النهضة الاثيوبي، عقد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مشاورات مع رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد، في أديس أبابا، تناولت ملفي السد الضخم والحدود المشتركة.

ورافق البرهان في زيارته، التي تستغرق يومين، وجاءت بدعوة من آبي أحمد، وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، ومدير جهاز المخابرات العامة جمال عبدالمجيد، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية ياسر عثمان.

Ad

ووفق مصدر مطلع في مجلس السيادة، ناقش البرهان مع أحمد كيفية الوصول إلى حلول توافقية بشأن عملية الملء والتشغيل للسد، مضيفا أن المباحثات تتناول الحدود المشتركة، والبدء في ترسيمها على الأرض، لوضع حد لتغول الميليشيات الإثيوبية على الأراضي السودانية.

استئناف التفاوض

وتزامن ذلك مع استئناف مفاوضات «النهضة» بين الدول الثلاث، السودان ومصر وإثيوبيا، أمس، برئاسة جي باندورا وزيرة التعاون الدولي بجمهورية جنوب افريقيا، رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الافريقي، وستعمل الدول الثلاث، خلال هذه الجولة، التي تستغرق أسبوعا، على وضع جدول أعمال واضح ومفصل، وجدول زمني محكم ومحدد لمسار التفاوض، وقائمة واضحة بالمخرجات التي يجب التوصل إليها.

جاء ذلك بعد تشديد رئيس الوزراء الإثيوبي على أنه «لا توجد قوة» يمكنها أن تمنع بلاده من تحقيق أهدافها التي خططت لها بشأن «النهضة»، عقب تحذير ترامب، من إمكانية قصف مصر للسد الإثيوبي.

وفي فبراير الماضي، جرت مفاوضات ثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، في واشنطن، وقعت في ختامها مصر بالأحرف الأولى اتفاقا ثلاثيا بشأن قواعد ملء السد، بينما امتنعت إثيوبيا عن التوقيع، وتصر أديس أبابا على ملء السد لتوليد الكهرباء، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم، بينما تتخوف مصر من تأثير سلبي للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب.

تعاون عسكري

في هذه الأثناء، أكد رئيسا أركان الجيش في مصر والسودان، أمس، ضرورة التعاون من أجل تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين، خلال زيارة وفد عسكري مصري رفيع المستوى للسودان.

وقال رئيس أركان الجيش المصري محمد فريد، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره السوداني محمد الحسين، «خلال الفترة المقبلة ستشهد العلاقات العسكرية بين البلدين طفرة نوعية».

وصرح رئيس الأركان السوداني بأنه تم خلال الزيارة «التطرق إلى كل المطلوب من أجل تطوير العلاقة المتجذرة بين السودان ومصر»، مشيرا إلى مناقشة «كل محاور التعاون العسكري وتطوير العلاقة بين القوات المسلحة في مصر والسودان»، متابعا: «توصلنا الى نتائج مذهلة من زيارة الوفد المصري ستخلق توافقا وتنسيقا كاملا بين قوات البلدين».

وأمس الأول، وصل رئيس أركان الجيش المصري إلى الخرطوم، في زيارة رسمية، ضمن مخرجات اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، في القاهرة.

وأفادت مصادر بأن المشاورات بين القاهرة والخرطوم تطرقت إلى استعانة المؤسسة العسكرية السودانية بدور مصري في عمليات هيكلة الجيش السوداني، في وقت تشهد العلاقات بين المؤسستين في مصر والسودان تطورا كبيرا، كما تناولت المباحثات «تفعيل تصور مقترح بشأن إدارة تكاملية للمنطقة المتنازع عليها»، في إشارة إلى مثلث حلايب وشلاتين.

إطلالة إسرائيلية

في غضون ذلك، اطلت أوساط إسرائيلية على أزمة حوض النيل بين القاهرة وأديس أبابا، عبر ندوة نقاشية افتراضية، حضرها خبراء ومسؤولون أفارقة بينهم السفيرة الإثيوبية في تل أبيب ريتا أليمو.

وجاء ذلك في ندوة عقدت بإسرائيل عبر الإنترنت، حول «البحث عن حصة عادلة من مياه النيل»، بمشاركة أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وافريقيا بجامعة تل أبيب الحكومية البروفيسور حجي إرليش، الذي عرض دراساته التي توضح العلاقة بين التاريخ والأوضاع الحالية في المنطقة، مقتبسا من كتابه بعنوان «من أسوان إلى سد النهضة».

وقال إرليش إن إثيوبيا ومصر يمكن وينبغي عليهما حل خلافاتهما من خلال الحوار دون أي تدخل خارجي، و«عبر وساطة عالمية دون انحياز لطرف»، مضيفا: «ان سد النهضة يرمز إلى ثورة التنمية في إثيوبيا. وهي حقيقة راسخة يجب الاعتراف بها»، وأكد أن المصريين يجب أن يتقبلوا «الواقع الجديد، وأن يعدلوا وجهة نظرهم تجاه قضية سد النهضة خاصة، ونهر النيل عامة».

بدوره، شدد نائب رئيس الشؤون الأكاديمية في معهد هرتزل، أوفير هيفري، على «أحقية إثيوبيا في استخدام حصتها من نهر النيل»، داعيا مصر إلى «شراكة جديدة تستخدم التكنولوجيا الإسرائيلية واستثمارا محتملا من الولايات المتحدة في تحلية مياه البحر».

وأكد هيفري أن هذه الشراكة الجديدة يجب أن تعترف مصر خلالها بسد النهضة كمصدر لـ»التعاون والتكامل الإقليمي لإثيوبيا ومصر والمنطقة كلها».

من جانبها، قالت سفيرة إثيوبيا لدى إسرائيل إن السعي للحصول على حصة عادلة من نهر النيل كان في قلب المفاوضات بين الدول المشاطئة لنهر النيل على أساس القانون الدولي، مضيفة أن «الوقت قد حان لإثيوبيا لتأمين حصة عادلة من مياه النيل».