انتخابات «كورونا»
غداً ستنتهي الانتخابات الأميركية الرئاسية، إضافة إلى انتخاب ثلث مجلسي الشيوخ والنواب.الحماسة للانتخابات هذه المرة غير مسبوقة، فقد صوّت في التصويت المبكر والبريد نحو 90 مليون ناخب، وهو رقم لم يحدث سابقاً.الأرقام واستطلاعات الرأي تتجه إلى فوز جو بايدن، نائب الرئيس الأسبق، لكن في النظام الانتخابي الأميركي الغريب يمكن أن يفوز مرشح بأغلب الأصوات الشعبية، ويخسر في المجمع الانتخابي بعدم حصوله على 270 صوتاً اللازمة لدخوله البيت الأبيض، وحدث ذلك مرتين خلال العشرين سنة الماضية، ففي حين فاز المرشح آل غور، بفارق نصف مليون ناخب، عن جورج دبليو بوش، إلا أن الأخير حسمها بالمجمع الانتخابي وبأصوات المحكمة العليا، ولذلك أصرّ ترامب على تعيين قاضية جديدة محافظة، لاحتمالية عرض الموضوع على المحكمة العليا.
كما حدث ذلك أيضاً في انتخابات 2016 بين ترامب وهيلاري كلينتون، التي تفوقت عليه بأغلبية 3 ملايين صوت، إلا أن ترامب فاز بالكاد بالمجمع الانتخابي، وصار رئيساً رغم أن استطلاعات الرأي كانت تفيد بتقدم كلينتون.ومن المفارقات، وليس على سبيل الدعابة، أنه لا يوجد نظام انتخابي بغرابة المجمع الانتخابي إلا في الصومال، المقبل على انتخابات قريباً. الرئيس ترامب، كشخصية تلفزيون الواقع، أضاف عنصر الفوضى السياسية بشكل لم تعهده مجريات القرار الأميركي، إذ عزل عدداً من كبار موظفيه عبر "تويتر"، وشجع المتطرفين البيض، حتى وصل الأمر بهم إلى محاولة اختطاف حاكمة ولاية ميتشيغان، وغير ذلك كثير.ومن المقرر أن تستمر حالة الفوضى الداخلية والخارجية في حال فاز ترامب، وسيزداد الانغلاق الأميركي، وسيقل الاهتمام بالسياسة الخارجية، بما في ذلك الشرق الأوسط ودول الخليج من ضمنه، وسيتراجع دور أميركا في العالم. وفي المقابل من المتوقع أن تعود السياسة الأميركية إلى سابق عهدها قبل 2016 في حال فاز بايدن، وليس ذلك بالضرورة أمراً إيجابياً.انتخابات الغد إن كان يحق لنا أن نضع لها عنواناً فهو "انتخابات كورونا"، إذ وصل عدد الإصابات إلى 9 ملايين إصابة، و230 ألف حالة وفاة، أي ما يعادل 20 في المئة من وفيات العالم، بمعدل 900 وفاة يومياً، ومازال ترامب يستخف بالموضوع، في حين يركز منافسه بايدن على سوء الإدارة لأزمة كورونا، وهناك 22 مليون عاطل عن العمل، فضلاً عن أن الاحتقان الاجتماعي بلغ حداً أوجب اتخاذ إجراءات أمنية مشددة للحماية من أعمال العنف التي يتوقع عدد كبير من الأميركان حدوثها.إنْ خسر ترامب فسيكون فيروس كورونا وطريقة تعامله معه هو السبب الرئيسي لخسارته، بصرف النظر عن الأسباب الجوهرية الأخرى ذات البعد السياسي المباشر.ويبقى السؤال المشروع هو: هل سيؤدي رحيل ترامب إلى المزيد من الاستقرار والعدالة واحترام إنسانية البشر؟ وهل كانت الأوضاع قبل ترامب أكثر انسيابية؟... لا أظن.