شهد النشاط الاقتصادي تعافياً ملحوظاً في الربع الثالث من العام الحالي، بالتزامن مع رفع معظم التدابير الاحترازية تدريجيا - بما في ذلك عمليات الإغلاق وحظر التجول والقيود المفروضة على الحركة والتنقل – التي تم فرضها خلال الفترة الممتدة ما بين مارس ويونيو الماضيين لاحتواء تفشي جائحة كوفيد- 19. إلا أن أنشطة الأعمال مازالت أقل من مستوياتها الاعتيادية قبل الأزمة، كما أن ظهور موجة ثانية من الجائحة على مستوى العالم اعتباراً من سبتمبر (خاصة في أوروبا)، فضلا عن الزيادة الملحوظة في حالات الإصابات الجديدة على المستوى المحلي، يهددان بفرض قيود جديدة وعودة التداعيات الاقتصادية إلى واجهة الأحداث مجددا في الربع الرابع من العام الحالي.وحسب الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني، فقد تباينت البيانات الاقتصادية الصادرة أخيرا، إذ استقرت معدلات الإنفاق الاستهلاكي عند مستويات قوية للغاية على خلفية الطلب المكبوت وإجراءات الدعم التي تم تطبيقها، في حين عادت مبيعات العقار تقريبا إلى مستويات ما قبل الجائحة.
من جهة أخرى، ما يزال إنتاج النفط ضعيفاً في إطار الالتزام بتطبيق سياسة «أوبك» وحلفائها، هذا إلى جانب ضعف وتيرة ترسية المشاريع في الربع الثالث من العام الحالي، والتي لم تزد كثيراً عن أدنى مستوياتها المسجلة منذ عدة سنوات، والتي شهدتها في الربع الثاني من العام الحالي.وفي الوقت ذاته، يستمر انخفاض أسعار النفط وارتفاع العجز المالي في تشكيل المزيد من الضغوط التي تواجه الحكومة فيما يتعلّق بشح السيولة على المدى القصير. وفي الوقت الذي تشير تلك العوامل إلى إمكان التغلب على ضغوط التمويل على المدى القريب، من خلال إقرار قانون الدين العام الجديد، إلا أنها تبرز أيضاً الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات مالية جوهرية يحتاج البرلمان الجديد إلى معالجتها بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في 5 ديسمبر المقبل.
الناتج المحلي الإجمالي
أظهرت البيانات الأولية أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد انكمش بنسبة 1.0 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي (الرسم البياني 4). ويعتبر هذا هو الربع الثاني على التوالي من الانكماش بعد تسجيل انخفاض بنسبة 1.1 بالمئة في الربع الرابع من عام 2019 على أساس سنوي، والذي تفاقم نتيجة لتراجع النشاط التجاري في مارس، على خلفية الجائحة، مما أجبر الموظفين على البقاء في منازلهم، وتسبب في إغلاق بعض الأعمال التجارية، وسط فرض تدابير حظر التجول الجزئي. وقد بلغت نسبة الانكماش في الناتج المحلي غير النفطي 3.5 بالمئة على أساس سنوي، فيما يعتبر الأسوأ على مدار الأرباع الثمانية الماضية، وقد تزامن ذلك مع تسجيل انكماش في العديد من القطاعات الفرعية، بما في ذلك الإدارة العامة والدفاع (-5.9 بالمئة) الوساطة المالية والتأمين (-0.5 بالمئة) والتعليم (-17.2 بالمئة) والاتصالات (-12.2 بالمئة). في المقابل، شهد الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي نمواً بنسبة 1.2 بالمئة، في ظل ارتفاع إنتاج النفط (2.74 مليون برميل يومياً بالمتوسط في الربع الأول من العام الحالي) بعد انتهاء العمل باتفاقية «أوبك» وحلفائها في مارس.ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي ككل بنسبة -6.2 بالمئة، مع انكماش القطاع النفطي بنسبة -8.0 بالمئة والقطاع غير النفطي بنسبة -4.0 بالمئة، وذلك مع الأخذ في الاعتبار مشاركة الكويت في اتفاقية «أوبك» وحلفائها لخفض حصص الإنتاج التي تم التوصل إليها في مايو الماضي (والتي أدت إلى انخفاض الإنتاج في يونيو لأدنى مستوياته المسجلة منذ 16 عاما)، هذا إلى جانب وصول تفشي الجائحة إلى مستويات الذروة، مما أدى إلى فرض قيود على التنقل في الربع الثاني من العام، كما شهدت تلك الفترة ايضاً إغلاق الشركات وتراجع إنفاق المستهلكين وتراجع الاستثمار.إلا أنه يمكن التوصل إلى توقعات أكثر دقة لنتائج العام الحالي حال صدور بيانات الناتج المحلي للربع الثاني من العام.ومستقبلاً، فإنه في ظل التعافي الجزئي الذي نشهده حالياً للقطاع غير النفطي بدعم من الإنفاق على مبيعات التجزئة، وبفضل تقليص تخفيضات حصص الانتاج على الجانب النفطي، ووسط توقعات بارتفاع هامشي في أسعار النفط العام المقبل، يمكن للاقتصاد أن ينمو بنحو 2 بالمئة في عام 2021. ومن المتوقع أن ينمو القطاع غير النفطي بنسبة 3.0 بالمئة في العام المقبل، فيما يعدّ أسرع وتيرة نمو يسجلها منذ عام 2015.العجز المالي
سجلت الحكومة عجزاً مالياً قدره 3.9 مليارات دينار في السنة المالية 2019/ 2020 (9.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019) إذ تراجعت الإيرادات بنسبة 16.2 بالمئة إلى 17.2 مليارا، على خلفية انخفاض أسعار خام تصدير النفط الكويتي بنسبة 10.2 بالمئة. وتراجع الإنفاق بنسبة 3.2 بالمئة إلى 21.1 مليارا، مع انخفاض النفقات الرأسمالية بنسبة 13.1 بالمئة، في ظل إلغاء أو تأجيل المشاريع التنموية، إلى جانب خفض التكاليف.وانخفضت النفقات الجارية بنسبة 1.7 بالمئة، على خلفية خفض الدعوم (التي تشمل تكاليف الوقود) بنسبة 17.5 بالمئة.وتم تمويل العجز من خلال صندوق الاحتياطي العام، الذي انخفضت أصوله المتبقية إلى 16.9 مليار دينار في مارس 2020، حسب تقارير عدة. وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات للحد من عمليات السحب والحفاظ على الأموال السائلة المتاحة في صندوق الاحتياطي العام، بما في ذلك مبادلة أصول بقيمة 2.5 مليار دينار لدى صندوق الاحتياطي العام، مقابل سيولة من صندوق الأجيال القادمة، وتحويل الأموال من المؤسسات الحكومية المستقلة، ووقف استقطاع حصص صندوق الأجيال القادمة بنسبة 10 بالمئة في حالة تسجيل عجز. وتتوقع الحكومة تسجيل عجز في ميزانية السنة المالية 2020/ 2021 بقيمة 14 مليارا وفقاً لافتراض سعر النفط عند مستوى 30 دولاراً للبرميل. ونتوقع أن يصل العجز إلى 10.5 مليارات (33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي) – وفقاً لسعر قدره 50 دولاراً للبرميل، وتقليص النفقات بنسبة 5 بالمئة، إلا أن ذلك العجز ما يزال مرتفعاً للغاية، ويؤكد أهمية اتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز الكفاءة وتبني برنامج الإصلاح الشامل في المدى المتوسط.وعلى الرغم من التدابير الأخيرة لدعم صندوق الاحتياطي العام، فإن أصوله السائلة قد تستنفد خلال الأشهر المقبلة، مما يعني أن هناك حاجة ملحة لإقرار قانون الدين العام الجديد. وقد استقر متوسط سعر النفط في الأشهر السبعة الأولى من السنة المالية عند مستوى 35 دولاراً للبرميل، أي أقل بكثير من تقديرنا البالغ 78 دولاراً اللازم لتحقيق توازن الميزانية.وانعكاسا للتحديات التمويلية التي تواجه الكويت على المدى القريب، خفضت وكالة موديز مؤخرا التصنيف الائتماني السيادي للكويت درجتين إلى A1، والتي لا تزال تعتبر درجة استثمارية قوية. ويمكن للكويت تحمل المزيد من الاقتراض، نظرا لانخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وفي واقع الأمر، إذا تم إقرار قانون الدين العام الجديد، واستغلت الكويت أسواق الدين المحلية والدولية، من خلال إصدارات جديدة بقيمة صافية تصل إلى 3.0 مليارات دينار سنويا، فإن الدين العام سيظل عند مستوى 31 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي بحلول السنة المالية 2023-2024 مقابل 12 في المئة في العام الحالي. إلا انه على الرغم من ذلك، لا ينبغي اعتبار إمكانية زيادة الديون بديلا عن تطبيق الإصلاحات المالية التي توفر طريقا إلى الاستدامة على المدى الطويل، ويجب أن تتضمن خطوات ضبط أوضاع المالية العامة في مرحلة ما بعد الجائحة خفض النفقات المتكررة مع إعطاء الأولوية للمشاريع التنموية، إضافة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية.المبيعات العقارية تعود إلى مستوياتها الاعتيادية
بعد الضعف التاريخي الذي أصابها في الربع الثاني من عام 2020، على خلفية تداعيات الجائحة وتأثير إغلاق أنشطة الأعمال في الكويت، عادت المبيعات العقارية تدريجيا للانتعاش بعد تخفيف التدابير الاحترازية في يونيو، وبلغ إجمالي المبيعات العقارية 662 مليون دينار في الربع الثالث من عام 2020، بزيادة قدرها نحو 6 أضعاف عن الربع السابق، على الرغم من انخفاضها بنسبة 20 في المئة مقارنة بأداء الربع الثالث من عام 2019. وشمل زخم المبيعات القطاعات الفرعية الثلاثة بدون استثناء (الاستثماري والتجاري والسكني) وهو الأمر الذي قد يكون مدعوما بالطلب المكبوت بعد عدة أشهر من ضعف النشاط العقاري بشكل استثنائي، بسبب القيود المفروضة على أنشطة الأعمال، إذ ارتفع عدد المعاملات إلى 1.855 في الربع الثالث مقابل 279 فقط في الربع الثاني من العام الحالي، ونظرا لقلة حجم الصفقات خلال الربع الثاني ومحدودية توافر البيانات، يفضل تأجيل اجراء تقييم يعتمد عليه لاتجاهات الأسعار إلى الأشهر المقبلة.ومستقبليا، وفي ظل التداعيات الشديدة التي خلفتها الجائحة على النشاط التجاري وطلب الوافدين على العقار، نعتقد أن القطاعين التجاري والاستثماري كانا الأكثر تضررا جراء الانكماش الاقتصادي، كما انهما سيستغرقان وقتا أطول للتعافي خاصة مع تأثر القطاع الاستثماري سلبا بارتفاع معدلات الشواغر نسبيا حتى قبل الجائحة. من جهة أخرى، نتوقع أن يشهد أداء القطاع السكني مرونة ملحوظة، نظرا لقاعدة الطلب المحلي التي لم تتأثر في الأغلب ونتيجة للعرض المحدود خاصة في المناطق الرئيسية. وفي نهاية الأمر، سيعتمد تعافي قطاع العقار على وتيرة التعافي الاقتصادي ومدى استمرار الجائحة.ارتفاع معدل إسناد المشاريع
وفقا لمجلة ميد، فقد ارتفعت قيمة المشاريع التي تم إسنادها إلى 192 مليون دينار في الربع الثالث من عام 2020، مقارنة بأدنى مستوياتها المسجلة في عدة سنوات، والتي بلغت 106 ملايين في الربع الثاني من العام الحالي، ويعود ذلك بشكل حصري تقريبا الى إسناد مشروع واحد فقط، وهو الأعمال الأرضية من مشروع توسعة مبنى الركاب الجديد بمطار الكويت الدولي بقيمة 165 مليونا. وبلغ إجمالي قيمة المشروعات التي تم إسنادها 866 مليون دينار منذ بداية العام وحتى نهاية الربع الثالث من عام 2020، ويعزى تباطؤ وتيرة إسناد المشاريع إلى حد كبير إلى الجائحة، ونظرا لأنه لم يتبق على انتهاء العام الحالي سوى أقل من شهرين يبدو أنه لن يتم تحقيق المستويات المستهدفة لترسية المشاريع البالغة 2.1 مليار دينار، كما كان متوقعا في وقت سابق، بحسب توقعات مجلة ميد.وكان من المقرر، وفقا للخطة الحكومية الأولية، ترسية مشاريع بقيمة 1.3 مليار دينار في الربع الرابع من عام 2020، بما في ذلك الجانب السكني والتجاري لمشروع تطوير مدينة جابر الأحمد بقيمة 202 مليون. وبالنظر إلى الترسيات المتوقعة حتى عام 2021، تتضمن المشاريع الرئيسية المخطط لها تلك المتعلقة بمشروع JPF4 وJPF5، التابع لشركة نفط الكويت بقيمة 270 مليونا وجزء من المرحلة الأولى من مشروع ميناء مبارك الكبير التابع لوزارة الطاقة والمياه بقيمة 271 مليونا. ووفقاً لمجلة ميد، فقد يصل إجمالي المشاريع المخطط لتنفيذها خلال النصف الأول من عام 2021 إلى 4.6 مليارات دينار، ويمثل مشروع مجمع الزور للبتروكيماويات (2.85 مليار) المرتقب طرحه في الربع الأول من عام 2021 أكثر من نصف تلك القيمة الاجمالية، إلا أنه نظرا لحالات التأخير الحالية قد تكون تلك النظرة متفائلة إلى حد ما.الإنفاق الاستهلاكي يواصل انتعاشه القوي
واصل الإنفاق الاستهلاكي انتعاشه القوي، اذ تشير أحدث البيانات الصادرة عن شركة الخدمات المصرفية الآلية Knet إلى تسارع وتيرة نمو إجمالي المعاملات (عمليات السحب من أجهزة السحب الآلي ونقاط البيع والمشتريات عبر الإنترنت) إلى 30 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر، مقابل 27 في المئة في أغسطس، وتراجع بنسبة 2.6 في المئة في يونيو، وارتفعت قيمة المعاملات لمستوى قياسي بلغ 2.1 مليار دينار. ويعزى هذا النمو بصفة رئيسية إلى تخفيف إجراءات الإغلاق، بما في ذلك إعادة فتح مراكز التسوق ومحلات البيع بالتجزئة بنهاية يونيو، فضلا عن تأجيل سداد أقساط القروض، مما ساهم في تعزيز القوة الشرائية، إلا أن برنامج التأجيل انتهى في سبتمبر. وبالمزيد من التفصيل، ارتفعت معاملات نقاط البيع بنسبة 13.8 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر، مقابل -35 في المئة في يونيو، وفي ذات الوقت يعكس نمو المشتريات عبر الإنترنت، الذي استمر بشكل قوي جدا عند مستوى + 157 في المئة، مقابل +170 في المئة في يونيو، التحول المستمر في سلوك المستهلك الذي تسارعت وتيرته أثناء الإغلاق. وبالفعل، قفز حجم المعاملات عبر الإنترنت إلى 0.64 مليار دينار في سبتمبر، لتصل مساهمتها إلى 31 في المئة من إجمالي الإنفاق، مقابل 16 في المئة خلال نفس الفترة من العام الماضي، كما كان ارتفاع الإنفاق بدعم من ارتفاع ثقة المستهلك، إذ ارتفع مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن شركة آراء للبحوث والاستشارات إلى 102 نقطة في سبتمبر مقابل 98 نقطة في يونيو.