لم يكد التوتر التركي - الفرنسي يتراجع بعد تعزية باريس لأنقرة إثر زلزال أزمير والتضامن التركي مع باريس ضد الارهاب عقب هجوم نيس، حتى عادت ظلال التوتر تخيم على العلاقة الصعبة بين البلدين العضوين في الحلف الأطلسي.وبدا أمس أن التوتر مقبل لا محالة بعد إعلان الحكومة الفرنسية أنها ستتخذ الأربعاء قرارا بحل حركة «الذئاب الرمادية» القومية التركية المتطرفة.
ووجهت أصابع الاتهام الى هذه الحركة بعد الصدامات التي وقعت أخيرا بين الجاليتين التركية والأرمنية في ديسين-شاربيو قرب ليون (شرق). كذلك كتبت عبارة «الذئاب الرمادية» على نصب تكريمي لضحايا الإبادة والمركز الوطني للذاكرة الأرمنية قرب ليون ليل السبت ـــ الأحد.وفي وقت سابق تم حل جمعية «بركة سيتي» ذات التوجه السلفي.
كاستيكس
وفي رسالة موجهة إلى الداخل الفرنسي، تمسكت الحكومة الفرنسية بـمعركتها الأيديولوجية ضد «التطرف الإسلامي»، وقال رئيسها جان كاستيكس إنه لن يتساهل مع الأحزاب والقوى والمثقفين الفرنسيين الذين «يساومون» مع التطرف.وفي مقابلة مع شبكة TF1 التلفزيونية، أكد كاستيكس، المحسوب على يمين الوسط، أن فرنسا تخوض «معركة أيديولوجية»، محذرا من أن «العدو يسعى أولا إلى تقسيمنا ببث الكراهية والعنف، وإلى كسر المجتمع الوطني»، مبينا أن «الطريقة الأولى للانتصار في الحرب هي أن يكون المجتمع الوطني ملتحما، موحدا، فخورا بجذورنا، بهويتنا، بجمهوريتنا، بحريتنا، يجب الانتصار في المعركة الأيديولوجية».وندد كاستيكس المحافظ بـ «كل المساومات التي حصلت على مدى سنوات طويلة، والتبريرات التي أعطيت لهذا التطرف الإسلامي: يجدر بنا أن نلوم أنفسنا، ونندم على الاستعمار وغيرها من الأمور»، مضيفا: «انتهى الأمر، لا مجال بعد اليوم لأي تساهل من قبل مثقفين وأحزاب سياسية، يجب أن نكون جميعا موحدين على أساس قيمنا وتاريخنا»، وتعهد بالاستمرار في «إغلاق المدارس غير القانونية، وحل الجمعيات الزائفة التي تغسل الأدمغة، سنحلها، حللنا اثنتين منها، وسنواصل ذلك».من ناحيته، اعتبر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الذي ينتمي الى نفس تيار رئيس الحكومة، أن بلاده تعيش في حالة حرب، متحدثا عن هجمات محتملة في كل مكان بفرنسا، وأشار في مقابلة مع تلفزيون BFMTV إلى أنه تم استنفار 100 ألف شرطي ودركي وجندي لحماية البلاد، وأعلن أنه سيزور تونس والجزائر خلال أيام، من أجل مناقشة عدد من القضايا الأمنية، وأبرزها ترحيل المتطرفين. ويبدو أن زيارة الوزير تأتي في مسعى لتكثيف التعاون مع هاتين الدولتين في مسألة مكافحة الإرهاب، خصوصا أن منفذ هجوم الكنيسة في مدينة نيس تونسي الجنسية، ويدعى إبراهيم العويساوي ويبلغ 21 عاما.تكريم باتي
وكرمت فرنسا أمس، المدرس صامويل باتي الذي قتل بقطع رأسه بجانب مدرسته في كونفلان سانت أونوروين قرب باريس على يد متطرف شيشاني، تزامناً مع عودة ملايين التلاميذ إلى مقاعد الدراسة بعد عطلة الخريف.ووقف التلاميذ في مختلف أنحاء فرنسا دقيقة صمت في ذكرى باتي.وفي رسالة نُشرت على وسائل التواصل، أمس، طالب ماكرون الشباب بمناقشة الأحداث فيما بينهم. وأضاف: "خطة الإرهاب هي زرع الكراهية، وتأليب كل منا ضد الآخر، وبث الخوف، وردنا على ذلك هو الحب والاحترام والحرية".وانضم رئيس الوزراء كاستيكس ووزير التعليم جان ميشال بلانكي للطلاب والمدرسين في مدرسة باتي في ضاحية كونفلان سانت اونورين.إلى ذلك، وغداة اتصال بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، دان فيه الأخير الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا، وكذلك خطابات الكراهية التي تثير مشاعر الآخرين، رافضا بشكل قاطع أي تبرير للإجرام والعنف والإرهاب، شن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أمس، هجوما لاذعا على تركيا، ودافع عن سعي الدولة الفرنسية إلى إدماج المسلمين الفرنسيين بصورة أفضل في المجتمع. وقال قرقاش، في مقابلة مع صحيفة «دي فيلت» الألمانية، نشرتها أمس، «كمسلم، أشعر بالإهانة من بعض الرسوم الكاريكاتيرية، لكن كإنسان مفكر أرى أن السياسة تحوم حول هذا الموضوع».وذكر أن كلمات الرئيس الفرنسي أُخرجت من سياقها عن عمد، «يجب الاستماع إلى ما قاله ماكرون فعلا. إنه لا يريد أن ينعزل المسلمون في الغرب، وهو محق في ذلك. يتعين إدماجهم في المجتمع بصورة أفضل. الدولة الفرنسية لديها الحق في البحث عن سبل لتحقيق ذلك، إيجاد مكان للمسلمين في المجتمع المدني الفرنسي، ووسائل لمكافحة الانعزال والتشدد».وحذر من ترك مثل هذه القضايا لليمين المتطرف، سواء في الغرب أو داخل العالم الإسلامي، مضيفا: «إردوغان يريد أن يصبح زعيما للإسلام السني، لذلك فإنه يفتعل هذا الأمر، لكن في الحقيقة هذا مشروع سياسي وليس دينيا»، والهدف الحقيقي للرئيس التركي هو توسيع نفوذ بلاده ليصل إلى العالم الإسلامي، الذي يمتد اليوم من الخليج إلى غرب البحر المتوسط. وذكر أن موازين القوى في الشرق الأوسط حاليا آخذة في التحول، متابعا: «إردوغان يريد استغلال هذا الوضع ليؤسس مجددا الإمبراطورية العثمانية، إنه يمارس سياسة إمبريالية على غرار إيران، وهذا أحد المخاطر الرئيسية في المنطقة. تركيا تتوسع في كل مكان على حساب العرب».وأكد: «إذا كانوا يريدون إعادة تأسيس إمبراطوريتهم فليتفضلوا، ولكن ليس عندنا»، لافتا الى أن «إردوغان ينشر أيديولوجية الإخوان المسلمين دوليا. إنها من ناحية أيديولوجيته الخاصة، ولكنها من ناحية أخرى أداة لكسب النفوذ«.دكا
في غضون ذلك، شارك نحو 100 ألف شخص على الأقل بعاصمة بنغلادش في تظاهرة أمس، احتجاجا على دفاع ماكرون عن حرية التعبير، وطالبت بمقاطعة المنتجات الفرنسية.ومنعت المسيرة، التي انطلقت من أكبر مسجد في بنغلادش، من الاقتراب من مقر السفارة الفرنسية في دكا، حيث تم تشديد التدابير الأمنية، وهتف المتظاهرون «لا للإساءة للنبي محمد» (ص).ودعت إلى المسيرة، وهي الثالثة من نوعها التي تنظم في بنغلادش خلال أسبوع، مجموعة «حفظة الإسلام»، إحدى كبرى الجماعات السياسية المتطرفة إسلاميا في البلد الذي يعد 160 مليون نسمة.وحض نائب رئيس «حفظة الإسلام» جنيد بابوناغاوري رئيسة الوزراء شيخة حسينة على دفع البرلمان إلى إدانة ماكرون، وطالب خلال المسيرة بقطع العلاقات مع فرنسا خلال 24 ساعة، داعيا التجار إلى التخلص من المنتجات الفرنسية.جاكرتا
وفي العاصمة الإندونيسية جاكرتا تظاهر آلاف من المسلمين الغاضبين خارج السفارة الفرنسية أمس، وهم يحملون لافتات عليها رسوم كاريكاتورية تصور وجه الرئيس الفرنسي كشيطان، وكتب عليها «ماكرون هو الإرهابي الحقيقي»، وتطالب بطرد السفير على الفور.وانضم المحتجون، في أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، إلى مطالبات لماكرون بالاعتذار عن تصريحاته لمسلمي العالم وسحبها، ولوحوا برايات إسلامية، وطالبوا بطرد السفير ومقاطعة المنتجات الفرنسية.«القاعدة»
وحمّل "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على الرئيس الفرنسي على خلفية تصريحاته، داعياً المسلمين إلى "الثأر"، وعدم التردد في "قتل" كل من يسيء للرسول (صلّى الله عليه وسلم).وجاء في البيان الذي نُشر على تطبيق "تليغرام"، "الثأر الثأر... الدم الدم... الهدم الهدم... لا تستأذنوا أحداً في قتل والتنكيل بشاتم الرسول" (صلّى الله عليه وسلم).واعتبر أن الحكم على كل من يشتم الرسول هو "القتل ولابدّ"، مشيرا إلى أن ذلك من "حق لكل مسلم".