وسط ظروف استثنائية وتحديات أخطر بكثير من السنوات الماضية، حل يوم الثالث من نوفمبر المنتظر لحسم الأميركيين الصراع المحموم والمفتوح على كل الاحتمالات بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، وأيضاً لاختيار أعضاء الكونغرس والعديد من عمليات الاقتراع المحلية على مستوى الولايات.

وبعد أن فعل المرشحان كل ما يمكنهما فعله وتنقلا من ولاية إلى أخرى رغم قيود كورونا، باتت الكلمة اليوم للصناديق، في أجواء استقطاب وانقسام سياسي وحزبي حاد، ورئيس شعبوي جاء من خارج الطبقة السياسية ومستعد لفعل أي شيء للبقاء في منصبه، كل ذلك وسط مشاركة تاريخية بالتصويت المبكر سواء حضورياً أو عبر البريد بسبب تفشي الوباء.

Ad

ومسار اليوم الانتخابي الطويل سيحدد في الصناديق وفي حال كان الفوز واضحاً لأحد المرشحين، وهو بايدن حسب ما تقترح استطلاعات الرأي، فسيمكن للأميركيين معرفة رئيسهم بحلول "الأربعاء"، كما تجري العادة، أما في حالة كانت النتائج متقاربة فان أصوات الناخبين الذين شاركوا عبر البريد ستكون مهمة ويجب انتظار فرزها الأمر الذي يفتح الباب أمام أزمة انتخابية.

وفي وقت يشهد السباق للوصول إلى البيت الأبيض تحطيماً للأرقام القياسية بدءاً من أعداد المشاركين في التصويت المبكر، وصولاً إلى الإنفاق على الإعلانات السياسية، دعي نحو 230 مليون أميركي للاختيار بين ترامب وبايدن في الانتخابات الرئاسية و35 عضواً في مجلس الشيوخ، وكل مقاعد مجلس النواب البالغة 435.

ويتوقع أنّ تشارك نسبة قياسية اليوم تتخطى بسهولة حاجز 138 مليون صوت، التي نجحت انتخابات 2016 باستقطابها، في نظرية عززها تحطيم التصويت المبكر أرقامه المسجلة في الدورات السابقة، لأن العديد من الناخبين فضّل أكثر من 95 مليوناً الاقتراع مسبقاً لتجنب الطوابير الطويلة للانتخابات، التي تجري وسط ظروف تتجاوز مسألة تشكيك ترامب في نزاهتها إلى أزمة صحية لم تتخلص منها أميركا، فضلاً عن انقسام كبير واحتجاجات عرقية غير مسبوقة تخللها فوضى وعنف.

تسريع البريد

ووسط احتدام الجدل حول تصويت آمن ونزيه، أمر قاضي المحكمة الجزائية إيميت سوليفان خدمة البريد (USPS) باتباع سياسة "الإجراءات الاستثنائية" واستخدام شبكتها الخاصة لتسريع وضمان تسليم كل اقتراع ممكن بحلول الموعد النهائي اليوم.

وبموجب أمر سوليفان، ستعمل USPS أيضاً على فرز جميع بطاقات الاقتراع ذات الوجهة المحلية في نفس اليوم أو في موعد لا يتجاوز صباح اليوم التالي لتسليمها إلى المكاتب المحلية "من الآن وحتى 7 نوفمبر على الأقل".

ورفضت المحكمة العليا في ولاية تكساس محاولة الحزب الجمهوري لإبطال 127 ألف بطاقة اقتراع مبكر أدلى الناخبون بها بالفعل من سياراتهم في مدينة هيوستن ذات الأغلبية الديمقراطية.

واتهم الجمهوريون كاتب مقاطعة هاريس الديمقراطي كريس هولينز بتجاوز سلطته الدستورية بإنشاء 10 مواقع لتصويت الناخبين أثناء البقاء في سياراتهم بدلاً من دخول أماكن الاقتراع لاحتمال انتشار فيروس كورونا أو الإصابة به.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن 8 فقط من أصل 50 ولاية ستتمكن من فرز الأصوات حتى منتصف يوم 4 نوفمبر "غداً".

وكانت الانتخابات الأميركية أكثر بساطة، عندما كانت الأغلبية تحبذ الانتخاب المباشر، لكن هذه السنة، زاد التصويت عبر البريد بشكل كبير، طارحاً مشاكل بشرية وتقنية وقانونية.

تأخر النتائج

ومع تزايد فرضية تأخر إعلان النتائج لأن معالجة بطاقات الاقتراع بالبريد تتطلب عادة وقتاً أكثر من التصويت المباشر، استعجل ترامب عرض نتائج الانتخابات فور إغلاق صناديق الاقتراع الليلة، مؤكداً أنه "لن يكون هناك انتقال للسلطة لأنه سيفوز بولاية ثانية وبأربع سنوات إضافية في البيت الأبيض الرائع".

وتساءل ترامب، خلال تجمع انتخابي في ولاية أيوا، "هل كان هناك انتقال سلمي للسلطة قبل 4 سنوات، عندما تجسس الديمقراطيون على حملتي قبل وبعد فوزي؟"، متهماً خصومه بمواصلة مهاجمته حتى بعد انتخابات 2016، التي صوت فيها نحو 139 مليون أميركي، بينهم 33 مليوناً عبر البريد.

وفي أوبا لوكا بولاية فلوريدا، ردّد ترامب مرة جديدة أن الديمقراطيين يتحدثون كثيراً عن فيروس كورونا، وعند ذكر اسم خبير الأمراض المعدية أنطوني فاوتشي، الذي يحظى باحترام عالمي وأبدى تحفظات حيال استراتيجيته في مكافحة الفيروس، أوحى ترامب لأنصاره بأنه سيقيله بعد الانتخابات".

فوز مبكر

ونفى ترامب صحة تقرير صحافي لموقع "أكسيوس" يؤكد أنه ينوي الإعلان عن فوزه في الانتخابات قبل تحديد النتائج الكاملة للتصويت حال تسجيل تقدمه على بايدن في ولايات أوهايو وفلوريدا وكارولاينا الشمالية وتكساس وآيوا وأريزونا وجورجيا.

وقال ترامب، لدى نزوله من الطائرة في كارولاينا الشمالية، "لا، هذه كلها أنباء كاذبة، ولا أعتقد أن انتظار مثل هذا الوقت الطويل بعد الانتخابات أمر عادل"، لكنه أضاف: "فور انتهائها سيكون محامونا جاهزين"، ملمحاً إلى احتمال خوض معركة قضائية طويلة.

6 ولايات حاسمة

وتحتدم معركة ترامب وبايدن في حفنة من الولايات المتأرجحة، التي يمكن أن تنقلب من معسكر إلى آخر، وهي فلوريدا وبنسلفانيا وميشيغان وكارولاينا الشمالية وويسكنسن وأريزونا.

إذا صوتت الولايات الـ44 المتبقية كما فعلت قبل أربع سنوات، فإن بايدن يمكن أن يغير معطيات أكبر معركتين، فلوريدا وبنسلفانيا، ويفوز.

وفي دليل على احتدام المعركة في هذه الولايات، توجه ترامب لثلاث منها هي ميشيغان وكارولاينا الشمالية وفلوريدا، وعقد بايدن تجمعين انتخابيين في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، المعروفة إلى جانب ويسكونسن وميشيغان بمنطقة "حزام الصدأ"، التي تشمل شمال وسط الولايات المتحدة وشهدت عقوداً من التراجع الصناعي.

وعشية "الثلاثاء الكبير"، ألقى ترامب بكل ثقله، أمس، في السباق إلى البيت الأبيض على أمل نقض كل استطلاعات الرأي التي تشير إلى تقدم بايدن عليه، مبشراً بـ "موجة حمراء" جمهورية ستكتسح أميركا.

وكما في 2016 حين باغت العالم بفوزه بالرئاسة، اختتم ترامب نهاره في غراند رابيدز بولاية ميشيغان، بعد جولة مكوكية عقد خلالها خمسة تجمعات في أربع ولايات هي كارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن. ووعد بصحوة اقتصادية وطرح وشيك للقاح لمكافحة الوباء.

«حزام الصدأ»

أما بايدن، الذي عزز تقدمه في ولايات "حزام الصدأ" الثلاث الحاسمة التي فاز بها ترامب بفارق ضئيل قبل 4 سنوات، فركز جهوده بشكل أساسي مع زوجته جيل ونائبته المحتملة كمالا هاريس وزوجها على ولاية بنسلفانيا وأركانها الأربعة، آملين في نقل مسقط رأسه إلى المعسكر الديمقراطي، ما سيفتح له أبواب البيت الأبيض أخيراً في محاولته الثالثة للفوز بالرئاسة.

وفي فيلادلفيا، أكد بايدن لأنصاره أنه "ما زال هناك يومان لضع حد لرئاسة ترامب التي قسمت أميركا"، مذكراً بأنه "في 2016 فاز في بنسلفانيا بفارق 44 ألف صوت فقط (من أصل أكثر من ستة ملايين)"، مؤكداً أن "لكل صوت أهميته والرئيس لن يسرق هذه الانتخابات".

وحشد بايدن أعضاء النقابات والأميركيين من أصل إفريقي في منطقة بيتسبرغ قبل أن تنضم إليه المغنية ليدي غاغا في موكب مسائي في المدينة.

كما توجه بايدن إلى أوهايو المجاورة، ليقضي بعض الوقت في ولاية كانت تعتبر ذات يوم محسومة لترامب وفاز بها قبل 4 سنوات.

وشارك الرئيس السابق باراك أوباما بشكل نشيط في المرحلة الأخيرة دعماً لحملة بايدن، وزار أمس أتلانتا في جورجيا، وميامي في فلوريدا.

ويدعو أوباما منذ أسبوعين إلى عدم تكرار أخطاء 2016 قائلاً: "بقي الكثيرون في منازلهم، تكاسلوا وتساهلوا. لكن ليس هذه المرة! ليس في هذه الانتخابات!"

توتر عالٍ

وفي تكساس، تبدو التوترات عالية، إذ أصبح المعقل الجمهوري تاريخياً، ولاية معركة رئيسية في انتخابات 2020 بين الجمهوريين والديمقراطيين وهو أمر غير اعتيادي.

وفي مؤشر إلى التوتر المخيم في نهاية حملة اتسمت بعدائية فائقة، تحصنت متاجر في العديد من المدن الأميركية خوفاً من تظاهرات عنيفة.

وفي تطور لافت، قررت السلطات الاتحادية أمس إغلاق المناطق المحيطة بالبيت الأبيض ونشر 250 عنصراً من الحرس الوطني فيها، بحسب شبكة "إن بي سي".

وبحسب "وول ستريت جورنال"، تلقى مسؤولو الانتخابات رسائل بريد إلكتروني مشبوهة يبدو أنها جزء من حملة واسعة النطاق تستهدف عدة ولايات، وسط عدم توجه بنشر مكثف لعناصر الشرطة لعدم إخافة الناخبين.

وستعتمد أجواء الليلة الانتخابية إلى حد بعيد على تطور النتائج الواردة من الولايات الأساسية، مشيرة إلى انتقالها إلى أي من الطرفين.

ففي حال فوز بايدن في فلوريدا، التي تعد الحزام الناري لترامب، إذ قد تعلن النتائج باكراً، فإن ذلك قد يحسم السباق سريعاً.

والانتخابات الرئاسية لايحسمها الاقتراع الشعبي، بل أصوات المجمع الانتخابي. وهذه ميزة يتفرد بها النظام الأميركي وأتاحت لترامب الفوز بأغلبية أعضائها الـ538، رغم تقدم منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون عليه بثلاثة ملايين صوت في الاقتراع الشعبي.

ومن أجل الفوز، يتعين على المرشح الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات المجمع الانتخابي، ما يجعل من 270 الرقم الحاسم، وهو النصف زائداً واحداً.

وكل هذا الاضطراب هو انعكاس للانقسام الحزبي والأيديولوجي الكبير خلال العقد الماضي أو نحو ذلك. ويتحدث مسؤولو الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن اختلافات حقيقية جداً في الطريقة التي سوف يحكمون بها البلاد.

وولّت أيام كان يقال فيها: "لا شيء يستحق الخلاف بين الحزبين". إضافة إلى ذلك، فمن غير المرجح احتمال حدوث أي مصالحة على المدي القصير حتى، وفي حالة ظهور توافق سياسي جديد من الصعب أن تسفر عنه حملات تتفادى أي مناقشات حقيقية من أجل شن هجمات شخصية.

والحقائق الماثلة هي أن اليسار المتشدد يستعد بالفعل بشكل علني لنقل مطالبه إلى الشارع بغض النظر عن الفائز، ليواصل هجماته على ترامب أو إرغام بايدن وآخرين على الرضوخ لإرادته.

ومن المرجح أن يجد الأميركيون، الذين يتوقون إلى رؤية ما وصفه الرئيس وارن هاردينغ بالعودة إلى "الحالة الطبيعية والسوية" بعد صدمة حرب عالمية وجائحة قبل أكثر من مئة عام، أن كل ما يعرّفه المرء بالحالة الطبيعية لن يتحقق قريباً بعد انتخابات 2020.

إنفاق الحملات

ولجهة الحملات الانتخابية، تم إنفاق 6.6 مليارات دولار من المرشحين للرئاسة، أي أكثر بملياري دولار من المبلغ الذي أُنفق في الانتخابات السابقة قبل أربع سنوات. بحسب دراسة لمركز "ريسبونسيف بوليتيكس"، تفوقت حملة بايدن من هذه الناحية، إذ أغرقت الإذاعات في الولايات الرئيسية بالإعلانات السياسية.

وتم بالمجمل إنفاق أكثر من 14 مليار دولار في الفترة التي سبقت انتخابات 3 نوفمبر، إذ تم تخصيص أكثر من سبعة مليارات دولار من هذا المبلغ لانتخابات الكونغرس.

حملة تطهير في «الولاية الثانية»

يخطط الرئيس دونالد ترامب وكبار مساعديه لإصلاح شامل في إدارته إذا تغلب على منافسه الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات وفاز بولاية ثانية، وهي الموجة التي ستستهدف المسؤولين في الوظائف الرئيسية المتعلقة بالصحة والاستخبارات و"البنتاغون" والذين يعتبرهم ترامب غير موالين أو بطيئين أو رافضين.

ووفق ما ذكر موقع صحيفة "بوليتيكو" سيكون هذا التحول بمنزلة حملة تطهير لأي عضو في إدارته تجاوز الرئيس، أو رفض إجراء التحقيقات التي طالب بها. ويمكن أن تمتد عمليات التطهير إلى كبار مسؤولي الصحة وطواقمهم ومسؤولي قيادة الأمن القومي.

وبالفعل، بدأ البيت الأبيض ومسؤولو الإدارة في فحص أسماء خبراء الرعاية الصحية الذين يمكنهم تولي الوكالات التي تدير العديد من عناصر استجابة الحكومة للوباء والإشراف على نظام التأمين الصحي في البلاد، وفقًا لجمهوريين مقربين من البيت الأبيض. ويتطلع الرئيس إلى إعادة تشكيل القيادة في مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية و"البنتاغون"، وهو غاضب مما يعتبره عدم استعدادهم للتحقيق أو مواجهة "الدولة العميقة" للحكومة.