من سماحة الإسلام أنه ينبذ الإرهاب وقتل الأبرياء، لأن من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، وما دعاني للكتابة في هذا الموضوع، هو ما حدث في فرنسا مؤخرا من الإساءة للرسول الكريم سيدنا محمد، عليه أفضل الصلوات والتسليم، وما تبعها من حوادث قتل مستنكرة والاستنفار الأمني والتصعيد السياسي والإعلامي في فرنسا، فالدين الإسلامي معروف عنه التسامح مع الديانات الأخرى وكذلك الدعوة للسلام. عندما تقع حادثة عنف أو قتل ويكون أحد أطرافها أشخاصاً مسلمين فإنه لا يشار إلى جنسيتهم حتى لو كانوا مواطنين ولدوا في هذه الدولة أو تلك، بل يلصق عملهم بديانتهم الإسلامية، وإذا كان الفاعل للحادثة نفسه شخصا من ديانة أخرى غير الإسلام فلا تذكر ديانته بل يركزون على جنسيته، وغالبا ما يشار إلى عذر القاتل بأنه مختل عقليا أو أنه طرد من عمله، فالرأي العام لا ينشغل بذلك أما إذا كانت ديانته الإسلام، فتكون فرصة للهجوم على الإسلام وللمسلمين، وفرصة لليمينيين المتطرفين لإشعال نار الفتنة والانتقام.
وهنا أضرب بعض الأمثله للكيل بمكيالين في بعض الدول الأوروبية، فعندما قام شخص أوروبي بمجزرة في إحدى جزر النرويج وقتل بدم بارد حوالي أربعين طالباً وطالبة، وأصاب العديدين الذين كانوا في دورة تثقيفية في تلك الجزيرة الهادئة، وبعد المجزرة ألقي القبض عليه قيل إنه مضطرب نفسياً، وأيدت ذلك وسائل الإعلام، ولم يُشر إلى الديانة التي ينتمي إليها، وفي حادثة أخرى عندما قام شرطي أميركي أبيض بخنق رجل حتى الموت من الجنسية نفسها، ولكن اللون كان مختلفاً وأدى ذلك إلى وفاة الشاب الذي قيل لاحقا إنه بريء من التهمة، وقامت المظاهرات الاحتجاجية ووقف الرياضيون حداداً على هذا الحادث، فحتى يومنا هذا لم يشر في الإعلام إلى ديانة هذا الشرطي الأميركي. وكذلك عندما دخل رجل مسلح برشاشات وذخيرة كبيرة أحد مساجد نيوزيلندا وفتح النار على المصلين وقتل عدداً كبيراً منهم وجرح أضعافهم لم تذكر ديانة هذا المجرم، إلا أن تصرف رئيسة وزراء نيوزيلندا الحكيم أَطْفأ نار الفتنة عندما ذهبت إلى موقع الحادث واستنكرته، وواست أسر القتلى والجرحى، وأعلنت الحداد في الدولة، وشاركت في تشييع القتلى، فكان تصرفها حكيماً وعاقلاً، وجنبت بلدها الاضطرابات وردود الأفعال على هذه الجريمة، ولم يكن لهذه الجريمة سوى استنكار من بعض الدول، وأيضاً لم يشر إلى ديانة هذا الشخص، وهذا أيضا كيل بمكيالين من بعض الدول التي تلصق أي عمل إرهابي وإجرامي للمسلمين كأن الفاعل يمثل مليار ونصف مسلم في العالم. المتطرفون اليمينيون في أوروبا هم الذين يثيرون مشاعر الرأي العام في بلدانهم لزيادة الكراهية ضد المسلمين المهجرين في أوروبا ولذلك يهاجمون الإسلام ويسيئون للرسول الكريم، وبعد ذلك يتكلمون عن الحرية بجميع معانيها بما فيها حرية إبداء الرأي واحترام الديانات، وهناك مثال آخر عندما ينتقد مفكر أو سياسي أو إعلام مذبحة اليهود الهولوكوست فإن القيامة تقوم ولا تقعد لأن هذا الشخص أو ذاك انتقد اليهود أو شكك بالمذبحة فيحارب في عمله ورزقه ومنصبه حتى يعتذر أو ينبذ، وهناك أحد المفكرين الأوربيين كان ضحية للهجوم عليه لأنه شكك في المذبحة، وأظنه المفكر الفرنسي روجيه غارودي الذي سحبت منه الجوائز والأوسمة بسبب إبداء رأيه. السؤال: أين حرية الرأي في بعض الدول الأوروبية؟ فالكيل بمكيالين يجب ألا يحدث، والإساءة إلى النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، مرفوضة، وكذلك الإساءة إلي الدين الإسلامي، فالمسلمون يحترمون الديانات الأخرى ولا يجوز لأي شخص أن يسيء لتلك الديانات، كما أن الإسلام يحرم قتل أي إنسان بريء لأنه دين السماحة والمحبة والاحترام، فإذا كان هناك من يريد صب الزيت على النار في بعض الدول الأوروبية، فإن ذلك بلا شك سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات والحوادث، وتتزايد ما لم يتدخل العقلاء والحكماء كما فعلت رئيسة وزراء نيوزيلندا في حادثة مجزرة المسجد التي عالجت الموضوع بحكمة وعقلانية بعيداً عن العاطفة، لعدم إعطاء المتطرفين الفرصة لإشاعة الكراهية بين الأديان، وليعش العالم أجمع بسلام ومحبة واحترام، وهذا ما دعا له الدين الإسلامي الحنيف.
مقالات
الإسلام دين التسامح والسلام
03-11-2020