لا يرجع السبب وراء ضراوة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في الولايات المتحدة إلى دونالد ترامب في حد ذاته، بل يتعلق بما يمثله ترامب: البنية العنصرية للسلطة التي استمرت في أميركا قرونا من الزمن، وإن كانت تبدو في بعض الأحيان في هيئة متحورة. الواقع أن التاريخ الطويل من العنصرية التي ترعاها الدولة في أميركا سيبلغ منتهاه في الجيل القادم، ولهذا السبب كان ترامب رجعيا إلى حد لافت للنظر في محاولاته الرامية إلى إطالة أمدها، ومع ذلك فإن الضرر الذي قد يسببه نمط القومية البيضاء الذي يحتضنه ترامب في إلحاق الولايات المتحدة والعالم إذا فاز بولاية ثانية يجعل هذه الانتخابات تبدو الأكثر أهمية في التاريخ الأميركي الحديث ببساطة.كانت العنصرية ضاربة بجذورها في الولايات المتحدة منذ تأسيس المستعمرات الأميركية، التي بنيت اقتصاداتها على استعباد الأفارقة وذبح وسلب أراضي الأميركيين الأصليين، وأصبحت العنصرية غائرة بعمق في المجتمع الأميركي حتى أن إنهاءها استلزم إشعال حرب أهلية، على عكس معظم البلدان الأخرى، حيث انتهت تجارة الرقيق الأفارقة وامتلاك العبيد سلميا.
عندما وضعت الحرب الأهلية أوزارها، أفسحت فترة وجيزة من تحرر الأميركيين الأفارقة خلال عصر إعادة البناء (1865-1876) المجال لنشوء نظام متجدد من القمع العنصري الذي كان شاملا ومنهجيا إلى الحد الذي تحول معه في حقيقة الأمر إلى نظام فصل عنصري أميركي. كانت عنصرية جيم كرو القانونية في الولايات الأميركية الجنوبية معروفة جيدا، لكن القمع والفصل العنصري في الشمال والغرب، بما في ذلك الإسكان المنفصل، والتمييز الصارخ في الوظائف، والتعليم المدرسي الرديء أو غياب التعليم تماما، وفشل العدالة المنهجي، كان شيئا بغيضا ذميما بالقدر ذاته.في كتابه الرائع البليغ بعنوان "لون القانون"، يفحص ريتشارد روثستاين كيف عملت الحكومات الفدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية، بالتعاون مع عنف اللجان الأهلية البيضاء على خلق وإدامة أحياء الأقليات الأميركية الإفريقية الفقيرة في مختلف أنحاء البلاد، في حين تعهدت وروجت لانتشار ضواحي الفصل العنصري التي لا يسكنها إلا أصحاب البشرة البيضاء، ثم ألغى الكونغرس في نهاية المطاف تشريعا عنصريا أكثر صراحة أو نقضته المحاكم الفدرالية بحلول نهاية ستينيات القرن العشرين. ومع ذلك استمرت العنصرية، التي انعكست في وحشية الشرطة، والاعتقال الجماعي للشباب السود بدءا من السبعينيات، والقمع المستمر لأصوات السود، وانتشار التمييز في التوظيف، وظلت معظم ضواحي الفصل العنصري في أميركا مقصورة تقريبا على ذوي البشرة البيضاء.أنتجت حركة الحقوق المدنية في الخمسينيات والستينيات تغيرات عميقة ودائمة، إلا أنها عملت مع ذلك على تغذية ردة فعل سياسية عنيفة بين المحافظين من ذوي البشرة البيضاء، وخاصة في الجنوب والغرب الأوسط. الواقع أن كثيرين من أبناء الطبقة العاملة والإنجيليين من ذوي البشرة البيضاء الذين كانوا لفترة طويلة جزءا من تحالف صفقة فرانكلين ديلانو روزفلت الجديدة حولوا ولاءهم إلى الحزب الجمهوري، الذي وعد بمقاومة المزيد من إلغاء الفصل العنصري ودعم سياسات يروج لها المحافظون الاجتماعيون. ساعدت هذه "الاستراتيجية الجنوبية" في وضع ريتشارد نيكسون في البيت الأبيض في عام 1968، ثم رونالد ريغان في عام 1980. وساعدت القاعدة البيضاء ذاتها الإنجيلية من أهل الريف والضواحي في انتخاب جورج بوش الأب، وجورج دبليو بوش، وترامب.لكن اليوم، أصبح الأميركيون الأحدث سنا أكثر دعما بمراحل للتنوع العرقي، وأكثر تنوعا عرقيا في حد ذاتهم، وهم أيضا أفضل تعليما، ولأن حرم الجامعات تجمع بين أميركيين من خلفيات متنوعة عريضة، فإنها تعمل على تعزيز بيئة حياتية تتسم بالتنوع، فتغذي بالتالي قدرا أعظم من التسامح العِـرقي.وفقا لاستطلاع آراء أجراه مركز بيو للأبحاث مؤخرا، فإن الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 عاما ينقسمون بنسبة 59% لمصلحة جو بايدن و29% لمصلحة ترامب، الذي يحظى أيضا بقدر ضئيل من التأييد بين الناخبين الحاصلين على تعليم جامعي. يفضل الناخبون الحاصلون على درجة البكالوريوس بايدن على ترامب بهامش 57% إلى 37%، وبين الناخبين الحاصلين على درجات علمية متقدمة يتسع الهامش لمصلحة بايدن، ليصبح 68% إلى 28%، وتتركز قاعدة ترامب بين البروتوستانت الأكبر سنا والأقل تعليما من ذوي البشرة البيضاء، الذين انتقل كثيرون منهم إلى ضواحي الفصل العنصري قبل عقود من الزمن لتجنب الاندماج على وجه التحديد.في عام 2016، كان الناخبون المتأرجحون ينتمون إلى الطبقة العاملة من ذوي البشرة البيضاء في الغرب الأوسط والذين فقدوا وظائفهم بسبب الأتمتة والتجارة، وكثيرون منهم صوتوا في السابق لديمقراطيين، ثم استمالهم ترامب بوعده بمنع المهاجرين والأقليات من منافستهم على وظائفهم ومساكنهم، كما وعد باستعادة أعداد هائلة من وظائف التصنيع من خلال التشدد مع الصين، وقد أقنعتهم هذه الرسالة.لكن هذا العام، من المرجح أن يتجه الناخبون المتأرجحون نحو بايدن، لقد سمح ازدراء ترامب للصحة العامة لجائحة كوفيد19 بالانتشار بجموح، وجنبا إلى جنب مع الاقتصاد الضعيف، والافتقار إلى الوظائف للعائدين من الصين، والخسارة الإجمالية للوظائف الصناعية منذ بداية رئاسة ترامب، ومقترحات بايدن المقنعة لخلق ملايين الوظائف من خلال الاستثمار في البنية الأساسية النظيفة والخضراء، لم تعد رسالة ترامب تلقى صدى لدى العديد من هؤلاء الناخبين.مع تغير التركيبة السكانية والمواقف الثقافية في الولايات المتحدة، ربما يدرك الناخبون الأكبر سنا من ذوي البشرة البيضاء المؤيدين للفصل العنصري أن هذه الانتخابات هي آخر معاركهم، وتتخلص الحيلة الحربية المتبقية لترامب في قمع الناخبين، بما في ذلك تهديدات مستترة بالعنف من قِـبَـل لجان أهلية في حال هزيمته. رفض ترامب مرارا وتكرارا الالتزام بالتداول السلمي للسلطة، ودعا في كلمات مشؤومة المتعصبين للعنصر الأبيض إلى "الانتظار والاستعداد" إلى أن تظهر النتائج الانتخابية.مع تزايد احتمالات الهزيمة الانتخابية، لجأ ترامب إلى تصعيد خطابه إلى درجة محمومة، وستكون الفوضى الناجمة عن فرز الأصوات المتنازع عليه بشكل مصطنع وسيلة ترامب الرئيسة للاحتفاظ بالسلطة. كانت أكثر الكلمات الصادرة عن ترامب تشجيعا خلال هذه الحملة بأكملها تصريحه "الحكيم": "إذا خسرت، فربما أضطر إلى مغادرة البلاد"، وعلى الأرجح، بعد حياة كاملة من التهرب الضريبي والاحتيال المالي، ستلحق به العدالة أخيرا.إذا تشبث ترامب بالسلطة بطريقة أو بأخرى، فإن العواقب المحلية والعالمية المترتبة على نظام أميركي عنصري قمعي صريح قد تكون مهلكة، ففي الداخل، قد تعمل مجموعات متعصبة طليقة من المختلين عقليا المتعصبين للعنصر الأبيض على الحض على الانزلاق إلى العنف الصريح، وعلى المستوى العالمي، تحرك قاعدة ترامب الإنجيلية رغبة مسعورة لخوض حرب باردة مع الصين، حرب زادها ووقودها كراهية هؤلاء الناخبين للأجانب، وعنصريتهم المعادية للصين، وجهلهم التاريخي.كل هذا يعني أن الأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالمخاطر، ولن تكون أميركا والعالم في أمان إلى أن يرحل ترامب.*جيفري ساكس* أستاذ التنمية المستدامة وأستاذ سياسات الصحة والإدارة في جامعة كولومبيا، وهو مدير مركز كولومبيا للتنمية المستدامة وشبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.
مقالات
معركة ترامب الأخيرة في الدفاع عن أميركا الفصل العنصري
03-11-2020