هل تكبح زيارة بومبيو لسريلانكا نفوذ الصين؟
غداة اجتماع كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ غيتشي مع الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا في وقتٍ سابق من شهر أكتوبر، وصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى العاصمة كولومبو في 27 من الشهر نفسه في زيارة ليومَين، وبعد التوقيع على آخر اتفاق من أصل أربعة اتفاقات تأسيسية للعلاقات العسكرية مع الهند، أطلق بومبيو تحذيراً للإدارة الموالية للصين في كولومبو مفاده أن "الحزب الشيوعي الصيني كيان مفترس" في حين "تأتي الولايات المتحدة بطريقة مختلفة، كأي صديق أو شريك للبلد". منذ أن فشلت الولايات المتحدة في تجديد "اتفاقية وضع القوات المسلحة" مع سريلانكا، ولم تنجح في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق "هيئة تحدي الألفية" الذي تبلغ قيمته 480 مليون دولار في شهر فبراير الماضي، كثفت الصين جهودها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع سريلانكا، ومن خلال مفهوم "فن الحرب"، أصبحت بكين شريكة اقتصادية ودبلوماسية لسريلانكا.على صعيد آخر، تدين سريلانكا بأكثر من 5 مليارات دولار للصين وقد واجه الرئيس راجاباكسا ضغوطاً قوية لإبعاد كولومبو عن فخ الديون الصيني، لكنه رفض الادعاءات المرتبطة بذلك الفخ وأعلن أن المشاريع المموّلة من الصين ستسهم في تحسين مستوى معيشة الناس. تدرك إدارة راجاباكسا جيداً حقيقة قراراتها المالية فتقول: "في أزمنة مختلفة من تاريخ العالم، كانت بلدان أخرى تملك أكبر كمية من الأموال النقدية. اليوم، جاء دور الصين".
إجماع حول بكين في كولومبو حتى لو استمرت الضغوط الداخلية التي تدعو إلى صدّ الصين، يعني نجاح راجاباكسا حديثاً في إحكام قبضته على السلطة وتعيين كبار المسؤولين وحل البرلمان أن أحداً لا يستطيع كبح قراراته المرتبطة بالصين، فقد صادق البرلمان في أغلبيته على التعديل العشرين لدستور سريلانكا، فوضع صلاحيات مطلقة بيد الرئيس وعَكَس مسار الإصلاحات الرامية إلى كبح الحُكم الاستبدادي، فرفع ذلك التعديل الحظر المفروض على حاملي جنسية مزدوجة في المناصب العامة، مما يسمح لشقيق الرئيس الذي يحمل جنسية أميركية بدخول البرلمان، وبالتالي ستزيد سيطرة عائلة راجاباكسا على القوة السياسية في سريلانكا. في الوقت الراهن، يتولى ماهيندا راجاباكسا، شقيق غوتابايا الأكبر ورئيس البلاد الأسبق، رئاسة الحكومة، وأصبح شقيق آخر له وثلاثة من أنسبائه جزءاً من المشرّعين أيضاً، وسيؤدي ترسيخ النفوذ بهذا الشكل إلى بقاء عائلة راجاباكسا الموالية للصين في السلطة خلال السنوات المقبلة.خلال المرحلة اللاحقة، يجب أن يعيد بومبيو إطلاق الحوار حول اتفاق "هيئة تحدي الألفية" مقابل تعليق النقاشات حول "اتفاقية وضع القوات المسلحة" في المستقبل المنظور إذا كان يريد التصدي للصين بفاعلية. دعت واشنطن سريلانكا إلى تفضيل الولايات المتحدة على الصين لضمان استقلاليتها الاقتصادية وتحقيق الازدهار على المدى الطويل، لكن فشل اتفاق "هيئة تحدي الألفية" في الأصل لأن سريلانكا أدركت أنه يحاول طرح نفسه كأداة لتحقيق "الاستقلالية الاقتصادية" مع أن التهديدات التي يطرحها تعليق "اتفاقية وضع القوات المسلحة" تعكس "انتهاكاً خطيراً لسياسة البلد". إذا استُبدِلت هذه الاتفاقية بمحاولة أقل عدائية لضمان التعاون العسكري والاقتصادي، فقد تصبح اتفاقيات بومبيو المستقبلية مع سريلانكا أكثر قدرة على تأمين بديل "شفاف" عن الأهداف الاقتصادية الصينية المريبة في الجزيرة التي تقع استراتيجياً على طول طرق الشحن البحرية والممرات الجوية الأساسية في المحيط الهندي.بحسب المعطيات الراهنة، أصبحت سريلانكا هدفاً أساسياً لسياسة الصين الخارجية ونفوذها المتنامي في جنوب آسيا، ونظراً إلى سطوة الرئيس راجاباكسا على السلطة في الفترة الأخيرة وميل عائلته إلى تلقي المساعدات الاقتصادية الصينية، ستفشل محاولات بومبيو اللاحقة في إقناع سريلانكا بالابتعاد عن تحالفها الاستراتيجي مع بكين في ظل غياب أي تنازلات مالية وعسكرية كبرى من واشنطن في إطار "هيئة تحدي الألفية" و"اتفاقية وضع القوات المسلحة".*باتريك منديس ودومينيك ريتشينباخ