يوم الثلاثاء العظيم

نشر في 04-11-2020
آخر تحديث 04-11-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار الانتخابات الأميركية هذه السنة غير مسبوقة لأسباب كثيرة شرحناها بإسهاب سابقاً. الاهتمام الأكبر فيها هو من الحكام الذين ارتبطوا بالرئيس ترامب وسياساته المتقلبة، خشية أن يؤذيهم التغير في البقاء على كراسيهم، أما بالنسبة للشعوب فهم كمن يشاهد تلفزيون الواقع، ويتابع إثارة جديدة معجونة بكورونا.

اختار المشرع الأميركي الثلاثاء بعد أول اثنين من شهر نوفمبر في القرن التاسع عشر كيوم من أيام الأسبوع، الذي لم يعتمد كعطلة فدرالية باستثناء بعض الولايات. بدلاً من امتدادها على 34 يوماً. ثلاثاء نوفمبر جاء بسبب الطبيعة الزراعية لأميركا حينذاك، حيث تسافر الناس لمدة يوم كامل للتصويت، فكانت الحاجة لمنح الناخبين يومين، وحيث إن الأحد يقضونه في الكنيسة، والأربعاء يوم السوق للمزارعين، فتم اختيار الثلاثاء. أما لماذا نوفمبر فيعود لارتباط المزارعين بالفصول، فالربيع وأوائل الصيف يتداخلان مع الزراعة، أما أواخر الصيف وأوائل الخريف فيتضاربان مع موسم الحصاد، فلم يتبق إلا نوفمبر أواخر الخريف، وبعد استكمال الحصاد، وقبل دخول فصل الشتاء القارس.

الانتخابات الحالية هي الأكثر تعقيداً، فلم يحدث أن هدد رئيس قائم بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إن لم يفز. الرئيس ترامب يسعى للحصول على دورة ثانية، ومنذ بدء الانتخابات الأميركية خسر فقط 3 رؤساء دورتهم الثانية، كان اثنان منهم خلال الـ39 سنة الماضية. ويبدو أنه سيستخدم كل الوسائل المشروعة وربما غير المشروعة، لمنع رحيله. استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن، إلا أن ذلك غير كاف للفوز، فهناك وسائل عديدة منها المجمع الانتخابي، أو المحكمة العليا، قد تمنع فوز منافسه بغض النظر عن حصوله على أغلبية أصوات الشعب، كما حدث في فوز جورج دبليو بوش ودونالد ترامب.

المتغيرات كثيرة في هذه الانتخابات، وأهمها تعدد توقيت الإعلان عن النتائج، فقد صوت 95 مليوناً بالبريد أو تصويتاً مبكراً، كما أن حالة الاحتقان حادة لدرجة أن البعض صار يتحدث عن حرب أهلية. وحسب مكتب التحقيقات الفدرالية فقد اشترى الأميركان أكثر من 18 مليون قطعة سلاح في 2020. وأزاحت كبرى المتاجر (وول مارت) الأسلحة من منافذ البيع المباشر، كما أغلق الكثير من المتاجر أبوابه بالألواح الخشبية تحسباً لاندلاع أعمال عنف في إطار التعامل مع نتائج الانتخابات، وإن كنت أتصور أن الأمر فيه مبالغة بعض الشيء.

وقبل كل ذلك هناك أزمة كورونا التي ذهبت بأرواح ما يزيد على 200 ألف إنسان وأكثر من 9 ملايين إصابة، وستكون هي العنصر المؤثر في الانتخابات.

من المفترض أن تكون النتائج قد اتضحت اليوم، وأياً كان الفائز فتداعياتها على حالة الانقسام الأميركي ستستغرق وقتاً طويلاً، وفي الجوانب الهيكلية ربما الأهم هو تعيين أكثر من 200 قاض محافظ، والذين سيبقون مع النظام العدلي لزمن طويل.

وتبقى أميركا، أحببناها أم كرهناها، القوة الأولى في العالم، بلداً عظيماً بإنجازاته، به خير كثير وشر كثير، وما الانتخابات إلا جزء في السياق الأميركي، ولذلك يراقبها الناس سلباً كان ذلك أم إيجاباً.

back to top