في حال فوز جو بايدن بالرئاسة، وما لم تحصل مفاجآت في الأيام الأخيرة، هناك إجماع على أنه سيحدث تغييراً في السياسة الخارجية مع اختلاف التقديرات في حجم هذا التغيير ومقداره، ولعل أوضح من رسم المخاوف القادمة في المنطقة، هو السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان بقوله "سيمثل خطراً حقيقياً على جهود واشنطن وحلفائها في الخليج وإسرائيل في مواجهة إيران"!

وبعكس الرأي الشائع الذي يقول إنه غير متمرس في السياسة الخارجية فإن تاريخه العملي يشير إلى توليه منصب نائب الرئيس 8 سنوات، وترشحه للرئاسة 3 مرات، وعضويته كسيناتور في مجلس الشيوخ منذ عام 1973، وهذا يعني اكتسابه خبرة تعطيه القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، لا سيما أنه مولج في الملف العراقي ومشارك رئيس في الملف النووي الإيراني.

Ad

في محصلة القراءات، فإن بايدن يسير على ركب سياسة الرئيس أوباما الخارجية ومحسوب على إدارته، وبالتالي سيمضي في هذا المسار وكأنه امتداد لسياسة الرؤساء الديمقراطيين!

ولا شك أن الخليج سيواجه وضعاً مختلفاً في ظل حكمه عندما يدخل البيت الأبيض، وفي الإطار العام يمكن القول إنه سيتجاهل الخطر الإيراني في المنطقة، وسيتعاون مع تيار "الإخوان" والإسلام السياسي، وقد يسعى إلى التخفيف من نفوذ طهران، لكنه ومن خلال رصد ما صدر عنه من تصريحات ومواقف سيعطي لإيران الوقت لالتقاط الأنفاس بالعودة إلى الاتفاق النووي، والذي انسحب منه ترامب عام 2018، وفي أسوأ الظروف سيدخل في مفاوضات جديدة تحت سقف ما يعرف "بخطة العمل الشاملة" كنقطة انطلاق في حال التزمت إيران بتعهداتها.

معنى ذلك أن العلاقات بين واشنطن والخليج ستشهد حالة من "البرود" خصوصاً أنه غير متحمس إلى استخدام "العقوبات المغلظة" ويعتبرها غير مجدية إذا لم يتوافر لها إجماع دولي يدعمها.

بات من الواضح أنه سيضع "حقوق الإنسان" ضمن أولوياته في السياسة الخارجية، وينظر إلى الحرب في اليمن على أنها "كارثة مأساوية" لا بد أن تتوقف، وفي هذا الشأن كان صوته عالياً بإنهاء الدعم للحرب التي تقودها السعودية والإمارات والعمل على إيقافها، بل ربط بيع الأسلحة بهذه الحرب وبملف حقوق الإنسان، ووفقاً للعديد من مراكز الأبحاث وضعت عدة سيناريوهات وتصورات للمرحلة القادمة، ذهبت خلاصتها إلى أن قطر ستكون أقرب إلى واشنطن، وبالتالي قد يشهد موضوع المصالحة الخليجية حالة من التعقيد والإطالة!

على المستوى العراقي والسوري يعتبر بايدن من أصحاب التوجه الذين يميلون إلى خفض الوجود العسكري في المنطقة بشكل عام، ولا يؤيد الانسحاب الكامل من الشرق الأوسط، إنما في حالة العراق وهو الذي اختبره جيداً في عقود سابقة، وكان له دور فعال بتفصيل "ثوب التقسيم" إلى سنّة وشيعة وأكراد، يعني نظام المحاصصات على الطوائف والأعراق يبقى مشروعه المعلن، بأن يكون مشابها لنظام البوسنة والهرسك، أي أن يكون نظاما فدراليا يربط المكونات معاً بواسطة حكومة مركزية ببغداد.

وكثيراً ما يجادل بشأن التورط في سورية وعدم الانخراط في تلك البحيرة من الصراعات! لكنه من دعاة الإبقاء على قوات عسكرية على الأرض، ويبقى موضوع النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي الأكثر حرارة وسخونة، فقد يقلب الطاولة على رأس نتنياهو، وقد تتوقف عمليات التطبيع، ويتراجع خطوة إلى الوراء نظراً لمعارضته ضم الضفة الغربية وبناء المستوطنات والتزامه بحل الدولتين مع الاعتراف بنقل السفارة إلى القدس!

على أن الكلام المعلن، أو بالأحرى التعهد الذي جاهر به أثناء حملته قد يشكل انفراجة بعض الشيء لعموم المسلمين، وهو أنه سينهي حظر دخولهم إلى أميركا في اليوم الأول لرئاسته!

خلاصة الكلام أن بايدن قد يكون نسخة جديدة للرئيس أوباما على صعيد السياسة الخارجية معيداً "تجربته" المتسمة بالتهادن وبإبرام الصفقات مع الخصوم وتنازلات من هنا ومكاسب من هناك!

لننتظر ونرَ ما يحدث!