أقامت رابطة الأدباء الكويتيين، عبر صفحتها على "إنستغرام"، محاضرة أونلاين بعنوان "الإبداع، الواقع، الإيحاء"، حاضر فيها الروائي وليد الرجيب، وحاورته عضوة مجلس إدارة الرابطة جميلة سيد علي.

واستهل الرجيب حديثه بالقول إن "علاقة الإبداع بالواقع تعتبر من بديهيات العمل الكتابي أو العمل الإبداعي بشكل عام، ولا يوجد شيء يتم إبداعه وخلقه من لا شيء، ولا يوجد شيء مفصول عن الواقع، ولا يمكن الادعاء بأن الكتابة يمكن أن تكون خارج الواقع، لذلك أنا مثلا لست مع الناس الذين يلغون التراث باعتباره تابعا للقديم والتقليد وغيره، ولا يوجد أحد يقول أنا لن أبدأ من التراث أو لن أستند إليه، وسأبدأ في الإبداع... من كيف ومن أين؟ والذي نبدعه اليوم سيصبح تراثا وتقليدا للمستقبل".

Ad

وتطرق الرجيب إلى بدء الكتابة والنشر في منتصف السبعينيات، مبينا أن "الأدب ليست له أي قيمة لا موضوعية ولا فنية من غير مقاربته للواقع، فكيف نقيمه إذا لم تكن له علاقة بالواقع أو بما أنتج سابقا".

وأشار إلى أن القاعدة الفلسفية العلمية تقول إن الوجود هو أولا ثم يأتي الوعي لاحقا، والأساس هو الوجود إذن الأساس هو الواقع، وما يأتي عن هذا الواقع بما يسمى البنية الفوقية التي هي الفن والثقافة والمؤسسات الحقوقية والسياسية وغيرها، وكل ما ينتجه عقل الإنسان وإبداعه.

المدرسة الشكلانية

وأكد الرجيب أهمية القراءة لأنها تغذي العقل، "وما أقصده العقل الباطن، وكما تعرفون الإنسان لديه عقلان: الواعي والباطن، والأخير هو القيادة الحقيقية للإنسان، والذي يتضمن كل إمكاناتنا، وأيضا يشتمل على ملفاتنا والأرشيف، والإبداع والخيال، ويتعاون العقلان بشكل أو بآخر".

وتحدث عن المدرسة الشكلانية التي تأسست في القرن التاسع عشر بروسيا، عن طريق مجموعة من المثقفين المعزولين، الذين ليس لديهم احتكاك بالمجتمع، وكانوا معارضين لأسلوب القيصر، ويعتبرون أنفسهم أكثر تقدما من النظام.

وأشار إلى أن بداية تأسيس هذه المدرسة كانت سرية، واختاروا طريقتهم وأسلوبهم في التفاعل مع المجتمع، ورأى أعضاء تلك المدرسة أنه ليس لزوما أن نتكلم في إبداعنا عن الواقع، وأن نهتم بالفن والأدب عن طريق الشكل، وانتهت تلك المدرسة لأنه لم تتم تزكيتها من الواقع والحياة، لكن ليس معناه أنها انتهت تماما، بل تظهر من وقت لآخر بناء على ظرف.

الشكل والمضمون

وأضاف الرجيب ان المدارس الأدبية والفنية الجديدة جاءت احتجاجا على الواقع والظروف الموجودة، وبين الوقت والثاني يظهر أدباء وفنانون يعتدون بالشكل أكثر من المضمون.

وتطرق في حديثه إلى الشاعر الكبير أدونيس، مشيرا إلى أن الكلام الذي يكتبه صعب جدا، وليست له علاقة بوعي الناس، وكأنه يريد أن يعجز الناس في الشعر، مضيفا أن أدونيس لديه مؤدون في الساحة العربية وتأثروا به.

وتابع: "صحيح أن الشكل مهم جدا في الإبداع، والواقع مهم، لكن الواقعية الفجة تتكلم عن الواقع كصورة فوتوغرافية، ويجب أن تطرح معاناة ونضالات الإنسان في سبيل تغيير الواقع، فخرجت الأشعار والكتابات كأنها منشور سياسي لا إبداع فيه ولا جماليات، أما الشكلانية فكانت مغالية جدا".

وأوضح أن هذه الأوضاع أصبحت فرصة لمحدودي الإمكانات وقليلي الموهبة، ولمن يهرب من مسؤولياته الاجتماعية، وقضايا مجتمعه في أن يصبح شكلانيا، فيكتب كلمات متقاطعة، ومفردات صعبة، ويخفي موهبته استنادا للواقع، مؤكدا أن أدونيس وقاسم حداد وأمين صالح مبدعون حقيقيون، معربا عن أسفه لاتجاه الكثيرين من الشباب إلى الشكلانية بدون فهمها جيدا، ومعرفة ماهيتها.

الغموض في الكتابة

وأفاد الرجيب بأنه في فترة الثمانينيات لم يتأثر الأدباء الكويتيون، لأن الرواية كانت ما زالت تناقش قضايا مجتمع، بناء على وعي الكاتب أو الكاتبة، لكنهم لم يخرجوا عن الواقع، أما في فترة التسعينيات فقد بدأ الكثير من الكتاب ينتهجون الغموض في كتاباتهم، ومن ثم لم تكن لديهم علاقة بالواقع، وأصبحت لديهم علاقة بالإدهاش، وذلك بأن القارئ يقرأ ويندهش في كتاباتهم ومفرداتهم، وفي الخليج أصبحت هناك موجات من الشكلانية، والكويت كانت سباقة في كتابة الرواية والقصة وغيرها.