هناك شبه إجماع على أن التاريخ بعد الإعلان عن جائحة "كورونا" لن يكون كما كان قبلها، وهذا الإجماع لم يأت من فراغ وإنما تم الاعتقاد به وصار الكثيرون على يقين منه نتيجة تصريحات علماء وأطباء وسياسيين في مراكز القيادة الأمامية، فصار لزاما أن يتم فرض هذه القناعة على مساحة الكرة الأرضية في البلاد القوية كما في البلاد الضعيفة القليلة الحيلة التي لا تملك إلا أن تنصاع إلى كل ما يصلها من أوامر وإن كانت بأسلوب ناعم ولكنه جاد وحازم! هذه الاعتبارات تجعل الكثيرين في حالة تفكير وبحث عن قناعة بأن الأرقام الناتحة عن الإصابات بهذا الكم الهائل من جهات رسمية وعامة هي أرقام حقيقية رغم كل التوجس والشكوك، ولعل إحصائية جديدة قام بها علماء كبار في تسع عشرة دولة قد حملت في طياتها نسبا متفاوتة من قناعة الذين أجري عليهم البحث، فكانت نسبة تفوق 70 في المئة غير مقتنعة بما يصدر من تصريحات عن الدولة، وأن نسبة أقل ترفض الرضوخ إلى ما سيطلب منها بأخذ التطعيم اللازم عند إقراره، وهو قيد التحضير الآن.
لا أحد ينكر أن الجائحة أدت دورا كبيرا في قلب موازين نسبة كبيرة جدا وبمستويات متفاوتة في السلوك اليومي للبشر وفي كل المجتمعات لأكثر من سبب، وأهمها أن العالم على تواصل دائما في كل ما يستجد على الأرض من أحداث ومنها الجائحة، الأمر الذي قصر مسافات التفاعل مع كل حدث، وجعل منه شغلا للرأي العام وفتح بابا للجدل في حقيقة ما يجري، وهذا في حد ذاته منطق سليم، إذ إن كل حالة جديدة تواجه الإنسان لا يمكن أن يتقبلها بسهولة ويُسر بل يتفكر فيها ويتوجس في الغرض منها ويربط كل حيثياتها بالوقت الذي تأتي فيه، فما بالنا بوباء قاتل لا يقبل الجدل الطويل إنما يتطلب البحث عن دواء شاف ينجو به الملايين الذين يرتعدون خوفا لو استمر لفترة أطول، وهو ليس كغيره من الأوبئة التي تم القضاء عليها من قبل. إذا تأملنا السلوك البشري بعد "كورونا" فسـتأخذنا دهشة عظيمة كيف خلت الشوارع والأسواق من تلك الحركة، وكيف تحولت المكاتب والإدارات إلى أماكن شبه مهجورة إلا من قلة من العاملين تستدعي الضرورة وجودهم، وكيف صار التعامل مع التعليم عن بـُعد بحيث يعمل الأب والأم في البيت نفسه، وأبناؤهما يتلقون دروسهم عبر الحاسوب، مما أربك نظام العمل في الدولة كلها، لأن الأطفال على وجه الخصوص بحاجة أن يتفرغ أحد الأبوين لمتابعتهم وذلك على حساب إنجاز عمله. يبقى سؤال مهم موجه إلى كل العاملين الإداريين الذين يعملون عن بعد: هل تأقلموا مع هذا الوضع؟ أم لا حول لهم ولا قوة ولا فرار من ذلك إلا ترك العمل، وتراكم المشاكل الحياتية؟ حتى إن توافر عمل آخر فلن يكون مختلفا هذه المرة لأنه خاضع لنظام جديد يسري على كل النشاط البشري، باستثناء الأعمال المهنية التي تقتضي الضرورة الوجود في المكان المعين. مع الوقت، إن طال أمد الجائحة، لن يجد الإنسان بداً من التأقلم مع الوضع الجديد الذي لو قمنا بمقارنة بسيطة بين بداية الجائحة وبين ما يمارس اليوم لوجدنا شبه قبول بالأمر الواقع، وما هو قادم سيكون أكثر فعالية حين تتحول المعاملات المالية إلى أرقام إلكترونية في حسابات خاصة بكل فرد، ولن يكون هناك حاجة للعملة الورقية وما يترتب على ذلك من دفع فواتير المنزل والأقساط، حيث ستكون كلها عبر أرقام من خلال جهاز التلفون أو الحاسوب الذي يتطلب من كل فرد أن يكون لديه (تطبيق APP) يؤدي كل هذه الأمور، فهذه واحدة من أمثلة كثيرة يحملها التيار الجارف تحت مسمى عالم ما بعد كورونا! * كاتب فلسطيني- كندا
مقالات - اضافات
التيار الجارف قادم!!
06-11-2020