دخلت الولايات المتحدة، في 3 نوفمبر منطقة غير مألوفة ومقلقة. وأضفت مزاعم تزوير الانتخابات من جانب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، أجواء من القلق على هذه الفترة التالية للانتخابات، لم تشهد البلاد مثلها من قبل. وهذا الوضع تحديداً لا يقلق الأميركيين، فبعد ولاية عاصفة للرئيس غير التقليدي دونالد ترامب غيّرت الكثير على المسرح الدولي، يجد العالم نفسه معنياً هذه المرة بالانتخابات أكثر من السنوات السابقة.

وعلى الضفة الأخرى من الأطلسي، تواجه أوروبا ضغوطا داخلية كبيرة للتدخل في الأزمة الاميركية، خصوصا من قبل الأحزاب اليسارية. ورغم الانتقادات الحذرة التي وجهها مراقبو منظمة الأمن والتعاون الأوروبية قبل ايام للرئيس ترامب حول "مزاعم التزوير"، يجد الكثيرون في أوروبا إغراء في التدخل بالأزمة الاميركية وتصفية حساب مع ترامب الذي تصرّف باستخفاف مع حلفاء أميركا الأوروبيين.

Ad

ففي ألمانيا، طالب وزير الخارجية السابق زيغمار غابريل حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بتبني موقف واضح من الخلاف الدائر حول فرز الأصوات في الانتخابات الأميركية.

وقال الزعيم الأسبق للحزب الاشتراكي الديمقراطي: "علينا أن نوضح أن مشروعية الحكومات لدينا تعتمد على قبولها للمبادئ الأساسية للديمقراطية، وهي الأغلبية والأقلية".

في الوقت نفسه، رأى الرئيس الحالي لمركز أبحاث "اتلانتيك بروكه" المعني بالعلاقات عبر ضفتي الأطلسي، أنه بالرغم من أن ألمانيا ليس لها أن "تتدخل كثيرا على نحو صريح" في مسار انتخابات بالخارج، فإن من الممكن للحكومة أن تعبّر عن رأيها علانية" وليس بالضرورة أن يرتبط هذا بشن هجمات على ترامب".

وأضاف النائب الأسبق لميركل: "إننا نفترض أن كل الديمقراطيات تشعر بالالتزام بهذه المبادئ، سيكون تعليقا مناسباً".

وفي حين لم تدل ميركل بأي تصريحات عن سلوك ترامب، الذي طالبه نائبها أولاف شولتس بالاعتراف بنتائج الانتخابات، حذّر وزير الاقتصاد الألماني، بيتر التماير، من تداعيات طول أمد الموقف المعلّق في واشنطن.

وقال الوزير المنتمي إلى حزب ميركل المسيحي الديمقراطي، إن "ما يحدث في الولايات المتحدة، له تأثيرات على الاقتصاد العالمي برمته والعالم الغربي، ونتمنى أن يكون هناك قرار سريع يرتفع فوق كل شك ويحظى باعتراف جميع المعنيين واحترامهم".

وفي إشارة إلى احتمال طول أمد حالة عدم اليقين، أكد التماير أن المسألة تتعلق بأسئلة مهمة مثل مكافحة جائحة كورونا والصراع التجاري الذي لم يتم حله بعد بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا، وتابع أنه لا ينبغي تأجيل هذه الأمور إلى أمد بعيد"، ولذلك فإننا نتمنى أن يتغلب الشعب والساسة الأميركيون على هذا التحدي، كما كان ذلك ممكنا دائما في الماضي". وبخلاف المانيا يلتزم الفرنسيون صمتاً بليغا تجاه الحدث الأميركي. وكان ترامب قد وجد على الدوام العلاقة مريحة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

موقف تركيا

وفي تركيا، لا يبدو مقنعاً نفي نائب الرئيس فؤاد أوقطاي، أمس الأول، وجود أي مخاوف من احتمال فوز جو بايدن بالرئاسة، معتبراً تصريحاته، التي وصف فيها الرئيس رجب طيب إردوغان بالمستبد وشجع قادة المعارضة على مواجهته واتباع نهج أميركي مختلف تماماً معه، بـ "المؤسفة".

وأضاف أوقطاي، في مقابلة نشرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية مقتطفات منها، أن أنقرة لا تفضل مرشحاً على آخر.

وحول احتمالية ظهور ضغوط في عهد بايدن، شدد أوقطاي على أن "تركيا تقف في محورها الخاص المرتكز على الأناضول وليس حول شخص آخر، ولديها بوصلة وتقيّم الأحداث حول العالم وفقا لمصالحها الخاصة"، مشيراً إلى أنها لا تسمح لأحد بالتدخل بشؤونها.

وحول ما أثير بشأن تواصل تركيا مع بايدن، قال أوقطاي: "سنواصل طريقنا مثل بقية الدول مع المرشح الفائز، ولا أعتقد بحدوث مشاكل بهذا الصدد، ولا فرصة لأي دولة بما فيها الولايات المتحدة لتنفيذ أي سياسة أو خطة في المنطقة عبر استبعاد تركيا".

إيران والسعودية

إلى ذلك، رسم تقرير لمجلة فورين بوليسي صورة قاتمة للعلاقة بين الولايات المتحدة ودول عدة أبرزها السعودية، في حال فوز بايدن على حساب ترامب.

وقالت المجلة الأميركية إن عدة عواصم عالمية ظلت تترقب بشغف إعلان الفائز، لكن ما من جهة أكثر قلقاً وترقباً للنتيجة من الرياض، التي حثّ بايدن على إعادة تقييم العلاقة معها.

ولم يستبعد التقرير أن ترد الرياض على سياسة بايدن المحتملة، بتعزيز العلاقات مع الصين أو روسيا.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن تداعيات فوز بايدن المحتمل، لن تقتصر على العلاقات السعودية - الأميركية فقط، بل قد يرافقها إحياء للاتفاق النووي مع إيران بطريقة قد تتسبب في صدام مع إسرائيل.

وعلى عكس تركيا وروسيا وحلفاء ترامب العرب وإسرائيل، تجد ايران نفسها الأكثر ارتياحاً، وهي تنتظر انفتاحاً من إدارة بايدن عليها، وتعتبر أنها باتت بموقع أفضل.

وفي رسالة قد تكون تحمل توقيعا إيرانياً، تظاهر مئات العراقيين أمس في بغداد، مطالبين بخروج القوات الأميركية من البلاد.

وردد المتظاهرون، الذين رفعوا أعلام الفصائل الموالية لإيران، شعارات مثل "أميركا طلعي برا... بغداد تبقى حرة"، و"بقاؤكم في العراق هو اللعب بالنار"، فيما كانوا يقفون قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء، حيث تقع السفارة الأميركية ومقر الحكومة والبرلمان العراقيين.

بايدن ومسار التطبيع

ولا يبدو واضحاً حتى الآن موقف بايدن من مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. ورغم تأييد المرشح الديمقراطي للاتفاقات الموقّعة بين تل أبيب وأبوظبي والمنامة والخرطوم، يعتقد الكثيرون أن شهر العسل الذي كان بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو انتهى. وكان بايدن قد أوحى أنه يريد إبقاء قوات أميركية في الشرق الاوسط على عكس ترامب الذي كان مستعجلا للرحيل. وينتظر الكثيرون المسار الذي ستتخذه الإدارة الديمقراطية تجاه سورية خصوصاً، وتجاه العراق الذي بات يعتبر ملعباً خلفياً للعلاقة بين طهران وواشنطن.

روسيا

وبالنسبة لروسيا، التي ألقت بثقلها لانتخاب ترامب في عام 2016 وتميل بشدة إلى إعادة انتخابه، لم يتوقع خبراء، بينهم مدير صندوق فرانكلين روزفلت بجامعة موسكو الحكومية، يوري روغوليوف، حدوث تغييرات جذرية في موقف واشنطن تجاه موسكو، بصرف النظر عمن سيتولى الرئاسة. لكن الكثير من المراقبين يعتبرون أن بايدن قد يعيد الضغوط بشكل كبير على موسكو، مع تخفيف حدة المنافسة مع الصين.